رجاء
(فصل من رواية "سُباعية العابر"، هيئة الكتاب، 2017)
حسام المقدم
.....
فتح
عينيه في تمام العاشرة. لا يريد أن يُفارق الدفء، ورائحة فراش به أنفاسه. مدد
ساقيه واستقام على ظهره. يُحس فهمي أنه سابح فوق ماء دافئ حنون، أنه ماشٍ في نسيم،
حيث يطير سريره ومكتبه وجهاز الآي باد القديم وحجرة المكتب كلها في سماء بلون ورق
الكتابة الأزرق. تتلمس عيناه التاريخ المكتوب بالنقاط الحمراء على النتيجة
الإلكترونيه، والدائر بانتظام بطول الحائط: 6ديسمبر 2028م. ابتسم بوخم لذيذ، إنه
يوم ميلاده. بحسبة بسيطة تأكد أن العدد 2028 يقبل القسمة على أربعة. هذه السنة
التي توشك على الانتهاء ستطول يوما. لن تكون كبيسة، بل طويلة. في يوم ميلاده
الخمسين تكافئه الحياة بيوم زيادة. يوم يساوي الكثير في هذه الشقة المهندمة، وفي
هذه المدينة الساحلية الصغيرة. ستفرح رجاء للمعة عينيه حين تدخل بعد قليل حاملة
صينية إفطاره. خمسون عاما في الدنيا، من الممكن ضغطها واستقطارها. نعم، فطوال العام
الفائت، ومنذ أن خطا في اليوم الأول من الخمسين، والأحداث تتلاحق. ترك كل شيء
خلفه، وأخذ إجازة من الوظيفة بدون مرتب لمدة عام قابل للتجديد. الولدان هاني ومحمد
مع أمهما هناك. هاني، الخائب مثل أبيه، في ليسانس الفلسفة. ومحمد في تمهيدي هندسة.
ولد عملي ولا يُلقي بالا لأحد. عفاف ما زالت على ذمته شكلا، فالانفصال حادث بالفعل
حتى قبل المجيء إلى هنا. من أول يوم في هذه المدينة، وفهمي يعتقد أنه وجد أخيرا
مدينة حياته. لم يصدق في أول الأمر وجود مكان هادئ مع بشر قليلين بهذا الشكل،
فالذاكرة التي تعج بالزعيق والدخان في مواقف العربات، وتمتلئ بزخم الزحمة غير
الإنسانية في الشوارع، وتحتفظ بمشهد الالتصاق الشاذ للبلكونات والجيران؛ هذه
الذاكرة لا تحتمل مساحات ممتدة وبيوت أكثرها من دورين مع الجنائن والخضرة. إنه
البراح الذي قلب كل معتقداته عن الحياة في هذا البلد. براح يطل على الصحراء من
الخلف، وفي الأمام على بعد ثلاثة كيلو مترات بالأكثر يوجد البحر خالدا أزرق. لقد
اختار فهمي منتصف المدينة مكانا، فمن بلكونة الشقة جهة الشَّمال يأتي هواء البحر،
ومن الأخرى الجنوبية تكون الصحراء هناك في البعد، منبسطه لانهائية وتوحي بالمتاهة
الجاذبة. المدينة ليست ساحلية بالمعنى المألوف، فهي ظهير، أو ضاحية بالأصح،
للمدينة الساحلية الكبرى الرابضة بمحاذاة البحر. هذا الوضع أهَّلها لمكان الذيل،
التابع، وأبعدَ عنها العيون وأصحاب المليارات، لتظل هادئة ومُهملَة. في الغالب
يسكنها الغرباء الموظفون من المدرسين والأطباء وغيرهم من العاملين في المدينة الأم
المجاورة. أسعارها متواضعة وفي متناول اليد. رآها فهمي مكانا رائعا يتوزع بين
البحر والصحراء. عام كامل ولم تُفض بعد بكارة هذه الضاحية التي تمنح الجديد في كل
جولة. الشارع الطويل المرصوف يصل بظهر المدينة الكبرى، وباستقامة شبه كاملة يُفضي
للبحر. كل الشوارع الجانبية تُسلم إلى البيوت المسقوفة بالخشب للبدو الذين
استوطنوا بقطعان الماعز والأغنام. هناك دائما رائحة الصوف والعرق مع الروث المتروك
قدام البيوت وفي الشوارع الواسعة رملية التكوين. نساء البدو يدخلن ويخرجن بزيهن
الأسود مع حزام أحمر يحوط الخصر، والرجال النحاف الناشفين في الجلابيب فوق الحمير
أو عربات النصف نقل. بعد ذلك، ومن جميع الجهات، تأتي الصحراء واسعة وأبدية. كثيرا
ما انحنى فهمي ليكبش حفنة رمال في قبضته. يقف ويتأملها مفروشة على باطن كفه. يندهش
للتفاوت، فمن الحُبيبات الصفراء الغُبارية متناهية الصغر إلى البارزة البيضاء إلى
ما يشبه الحصوات. يمشي ويمشي ويعود من نفس الطريق. كان ذلك قبل أن يعرف رجاء التي
مشت به في دروب ورجعت من أخرى. يُصمم على أن لقاءهما الأول الممتد كان مُقدرا. ففي
إحدى جولاته، ارتأى أن يُغير الوجهة نحو الغرب. لم يقلق، فالصحراء ستوقفه على كل
حال. لكن الصحراء لم تظهر.. تسمّر في مكانه أمام بيت بدوي عتبته واطئة. شدّه وجود
البنطلون الجينز مُتربعا في قلب سواد البدويات. طلعت عيناه للوجه المُدور المُتبسط
بالضحك في القعدة شبه العائلية. ما جعله يموت من الدهشة هو النداء الرفيع: أستاذ،
تفضل الشاي. تذبذبَ في وقفته، ولوّح بيده شاكرا وتهيأ لنقل قدمه. عبرت في رأسه كل
المحاذير البدوية العتيقة التي تصل للرقبة. صحيح أتت الدعوة من الكبيرة الموشومة
ذات الوجه السمني المتغضن، وأنه هو نفسه لا يبعث على الشبهة بوقاره وشعره الرمادي؛
لكن في النهاية هن نساء ولا يوجد رجال. بعد خطوتين عاد النداء رفيعا حازما: والله
لتقعد وتشرب الشاي. استدار وطبع ابتسامة قسرية على وجهه. كلهن عجائز موشومات عدا
صاحبة الجينز. أقبل عليهن فسبقته فرشة مدتها إحداهن. رمى السلام وسحب الفرشة خطوة
للوراء وجلس مقرفصا. لهجتهن حلوة، والأسئلة تتوالى. اكتشف أنهن يعرفنه من جولاته
في الشوارع، وأن هذه أول مرة يفوت من هنا. لم يستعجب، فالعجائز قادرات على كل شيء!
إلى الآن لم تكن صاحبة الجينز قد تكلمت. وجهها قمحي مدور، به أُلفة عجيبة من أول
نظرة. تعارفا: رجاء مدرسة تربية فنية بمدرسة إعدادية هنا في الضاحية، لكنها من
المدينة الكبيرة. فهمي باحث دكتوراه في التاريخ المعاصر ومُوجِه دراسات اجتماعية
مع إيقاف التنفيذ! أجابها عن استغرابها بشأن عمره المتقدم على مسألة باحث دكتوراه
هذه: إن شاء الله سآخذها قبل المعاش! كانت جلسة رائعة عربدت فيها البساطة والعفوية.
سيظل مُمتنا مدى حياته لإحدى الموشومات حين أشارت عليه بتوصيل رجاء وأخذ البال
منها. في الطريق انساب الكلام، ولم ينتبها إلى أنهما طافا بالمدينة الصغيرة،
وتجاوزا الأخرى الكبيرة حتى البحر. عرفت كل شيء عنه منذ أيام الصبي في كتاب الدين،
وحتى مِنحة التفرغ للدكتوراه من مؤسسة عربية آمنتْ أخيرا بأهمية عقله، بعد الاطلاع
على دراسته لحوادث التاريخ في رسالة الماجستير. كلّمها عن عفاف والأولاد، وأنه ترك
لهم كل ما ادخره في حياته مستبقيا لنفسه مرتب المنحة فقط. شردَ في الحديث عن عهد
مولاه الجبرتي، وكيف أن ذلك العهد هو الذي أبقاه حيا، بما وهبه من أسفار في أزمان
وأمكنة. في المقابل، عرف هو سبب مجيئها إلى هنا. إنها تخرج في مشاوير استكشافية
للعمل على مشروعها الفني في رسم حياة كاملة لهذه المنطقة: وجوه البدو، بيوتهم،
حيواناتهم، طقوسهم. تُعوِّل كثيرا على لوحات لم تر النور بعد، وتقول إن ذلك سيكون
مشروع حياتها الجديدة. حكت له كل شيء من أول لقاء: تعيش مع أمها بعد انفصالها عن
أدهم وزواج دام إحدى عشرة سنة بلا أولاد، والسبب هي وليس هو. احترمت رغبة أدهم في
الأولاد وابتعدت في هدوء. يومها تعِبا من المشي فاستراحا متجاورين على صخرة محفوفة،
بدت مقعدا أمام الماء. عن يسارهما، ذاب كرنفال ألوان الشفق منعكسا في ماء البحر.
عرف أنها تحب تحفة ألوان الغروب، وتراها أعظم منحة ربانية أُهديت لنا مجانا. لا
يمكن لفنان أن يصل إلى هذا التمازج اللوني الفريد. كل ألوان الدنيا هي في هذه
اللحظة. أحس فهمي أنها على وشك الإمساك بالفرشاة. كلامها نفسه لوحة تنقصها
الألوان. لم ينتبه إلى أنها خلعت صندلها وراحت تُمسد قدميها في الرمل. أفاقَ على
لوحة أخرى في غاية العظَمة.. قدمان بيضاوان مكتنزتان، حمامتان بضتان ليس بهما بروز
لعِرق أو عظْمة. مصبوبتان هكذا دفعة واحدة وفي نفَس واحد. أصابع قصيرة منتظمة في
الترتيب. لحظتها كبح نفسه عن دعوتها ليغسل قدميها في ماء البحر. وكأنها قرأت ما
ينتويه، قامت وشمّرت بنطالها ليكشف سمانة سمنية تلتقي بالقدمين مباشرة دون أي خلل
في المسار. حفّت بقدميها في الماء، حركتهما مثل سمكة تعاكس التيار. عادت إلى جواره
وأخرجت من حقيبتها منديلا فردته. وضعت ساقا فوق الأخرى وتهيأت لمسح القدم ولبس
الصندل. طلب فهمي منها أن تريه صندلها، وفي دهشة ناولته الفردة. أخذ منها المنديل
ومشى على بطن القدم وظهرها وبين الأصابع. أدخل القدم في الصندل على مهل وبطء. أشار
للقدم الأخرى فمسحتها على عجل ولبست وقامت واقفة. سارا صامتين تماما. أرته البيت
بعدما ألحَّ على معرفته.
رجاء..(فصل من رواية "سُباعية العابر"، هيئة الكتاب، 2017) حسام المقدم |
رفع الغطاء واستوى في وضع زاوية قائمة، شادّا
ساقيه وجذعه. العاشرة وخمس دقائق موعدها المضبوط. تدخل رجاء بصينية الإفطار وفي
قلبها شمعة واحدة ملونة. لا يمكن بالطبع إشعال خمسين شمعة في عيد ميلاد فهمي، أو
خمس وثلاثين في يوم ميلادها. اتفقا على واحدة هي ذكرى السنة الأولى لتعارفهما.
أطعمته الجبن والبيض وكوب اللبن. تعرف تعجله السريع دائما في الأكل، وأنه لا يمكن
أن يُركز فيما أمامه من أصناف. إنه يأكل مع نشرة الأخبار، مع حديث مستفيض عن فكرة
تؤرقه في الرسالة، مع شاشة الآي باد الصغيرة وما بها من مواد وثائقية أو أفلام
أجنبية أو ربما صفحة وورد خالية تنتظر نقراته الأولى. قامت وأتت بولاعته من على
المكتب وأشعلت الشمعة. سرى ذهب النار على شكل ورقة شجرة فوق عمود الشمع البنفسجي.
أحاطا الورقة بدائرة من الأكف المتضامة لتواصل بريقها الذائب بمعزل عن نسمات
ديسمبر القارسة. ترك لها مهمة النفخ، وهو يعرف أن شفتيها ستعطيانه إغواءً
بانفراجهما الهامس. تصاعد دخان بنكهة الشمع، والتمعت عيناه للوجه المبحلق فيه. لا
تتحركي.. قالها وقفز فوق الفراش مرة واحدة متوجها للحمام. دقيقة واحدة وعاد ليجدها
أزاحت الصينية على الكمودينو ومددت ساقيها على المخدة. تربعَ جنب قدميها وبقيا
لحظات متواجهيْن بلا كلام. لابد أنهما يفكران في الشيء نفسه، فليلة الأمس لا تزال
تتلاعب أطيافها الساخنة. كل الليالي في الحقيقة مع هذه المرأة تستحق الذكر. إنها
التي جعلت فهمي ينسى نظريته الساذجة التي حكمت حياته قبل أن يعرفها. نظرية نسجها
في خمسين عاما ولم يتخل عنها قبل عفاف وبعدها. ستتعاون كل قوى الطبيعة وما ورائها
لتشكيل امرأة تم تقطيرها من خلاصة الفتنة وعجين الرغبة. تأتي أمامه، فيتحول جسده
كله إلى جمرة. في حضورها تتوافد كل الوجوه والأجساد التي عرفها وعذّبته وأراقتْ
ماءه العزيز على الأرض، أو في جوف لا يمتلئ أبدا. سيرتشفها قطرة قطرة، يُمزمز فيها
من إصبع قدمها حتى منابت الشعر. لابد أن يتم هذا برويّة وتأن يليقان بالمرة
الأخيرة. أربع وعشرون ساعة متواصلة من دك القلعة بقاذفات اللهب الثقيلة. ستأخذ
المرأة معها الرغبة وإلى الأبد، وسيمشي في الشوارع طبيعيا كباقي خلق الله. تغادره
حُمّى التلفت والتنقيب عن سيقان وأرداف ونهود. سيُرحَم من وشيش الرأس ساعة خُلوة،
حين تأتي إحداهن وتأخذ الحيّز كله، وفي اليوم التالي تدخل أخرى لتستمر دائرة النار
بلا نهاية كلعنة. عفاف لم تحتمل ناره وكانت على الدوام تُراوغ. لم تفهم أبدا ذلك المخلوق الذي كان معها في الظهيرة؛ ثمّ
بلّلَ نفسه في الليل! ترى ذلك في دوائر البُقَع على الملاءة التي فرشتها بعد انتهائهما. تتعجب وتهز رأسها
ولا تتكلم. ظل وفيا لنظرية "امرأة الدنيا" التي ستريحه يوما ما من هذا
العذاب. رجاء جاءت ببساطة ومسحت النظرية التافهة بأستيكة. قالت له بعبقرية إن
النار التي بداخله ليست رغبة، بل انتقاما. عاينت منه ذلك وهو ابن الخمسين في أول
الزواج. بهدوء النسيم أخذته من يده وعلمته أن المسألة ليست حربا نقتل فيها كل
أعدائنا على الفراش. الثمرة جميلة جدا وهي يانعة على غصنها، وجميلة الطعم أيضا في
الفم لحظة القضم. بهذه البساطة أنسته تماما نظرياته الخائبة. أطعمته وألبسته
وصفّفت شعره. عرفتْ الكثير عن أمه الغلبانة في كل شيء، ورأت لمعة عينيه وهو يتكلم
عن أطفال، شربوا في الأرحام عصير الأغنيات والحكايات، ودقت قلوبهم الخضراء دقات
منتظمة مع إيقاع القلب الأعظم للأم. فهمت رجاء أن الطفل الخمسيني الوقور يحتاجها
أضعاف ما تحتاجه. قرأت تعابير وجهه ونظرات عينيه وشروده اللانهائي. كلّمته بلا
كلام. طافت به المدينة الصغيرة حتى الصحراء والبدو. علمت هواجسه وحكاية ظله القديم
وشد الجسد ساعة المشي، فقالت: سأريحك يا مَن تخاف من ظلك. اقترحت أن تكون جولات
الصباح جهة الشرق، وفي المساء نحو الغرب. هكذا ستكون الشمس أمامهما والظل دائما في
الخلف. ضحك مدهوشا للفكرة البديهية التي لم تأت على باله، واستمتع بالحكاية من
شهرزاد حياته: كان ياما كان، في سالف العصر والأوان، ولد عبقري اسمه الإسكندر.
أحضر أبوه الملك حصانا بريّا جميلا. هذا الحصان لم يسمح لأحد مهما كان بركوبه.
فشلت كل المحايلات في ترويضه. الإسكندر وحده هو الذي عرف السر، سحب الحصان وأدار
رأسه تجاه الشمس ومسّد رقبته واعتلاه وظل حصانه الأثير. السر أن الحصان، مثلك يا
سيدي، كان يخاف من ظله! لحظتها حركتْ كفها أمام عينيه المفتوحتين الذاهلتين، ومضت
به لجولات رائعة في اتجاه الشمس بلا أدنى اهتمام بالظلال. خلال ذلك فوضها بشكل
كامل بأن تختار على ذوقها. كل ما في الشقة تقريبا من اختيارها. أشرفت على حجرة
مكتبه، وبنفسها أخذت المراجع وعادت بها مُجلدة بالأسود ومنقوش عليها بالذهبي
البارز. طاردت الغبار في كعوب الكتب المصفوفة في المكتبة. أحضرت فني الخدمة
المُقدمة من إحدى شركات الاتصالات لتثبيت الشريط الوامض بالنقاط الحمراء، كما كان
منذ سنوات في البورصة والبنوك، فتوالى تاريخ اليوم ودرجات الحرارة وأسعار العملات
وآخر الأخبار. تفهمت رغبته في النوم بحجرة المكتب كما كان يعيش دائما. لم تنس أول
لقاء وكيف أن عينيه أكلتا قدميها وساقيها أكلا، فراحت تُغذيه بالاكتمال المتجدد
والممتع. لم تترك بدعة في قدميها إلا وعملتها، من الغسيل الدائم وكريمات الترطيب
والشاوَر، إلى طلاء الأظافر بألوان الروز والأحمر والقرمزي، مع فاصل من الحِنَّة
البدوية البُنية أو السوداء. حتى الخلخال المشخلل، ورسومات الوشم البارعة على ظهر
القدمين. بعد عام كامل، وهو طائر بيوم ميلاده لأول مرة، مددت له قدميها ليبدأ يومه
كما يحب. لا تمل من البداية بقدميها، ترفع إحداهما فوق الأخرى وتُلعّب الأصابع.
تزحف ناحيته وتَدُسهما في حجره. بأنامله يتلمس حُمرة الورد الناعم في الكعبين،
نازلا للمنحنى الصغير في البطن اللينة، وحتى أصابع تتطلب رفق اللمس الهامس. يُنيم
يده على ظهر الحمامة. ينحني بشفتيه ويمس الأصابع بتذوق مُتبتل. تعرف أنه الآن في
أحسن حالاته، فقدماها، كما قال ذات مرة، لهما الفضل الأعظم في نسيانه لهمجية
القرون الوسطى التي كان يعيش فيها. تُذكِّره: ماذا عند الدكتور اليوم؟ الدكتور يا
سيدتي سيذهب إلى البنك ليطمئن على تحويل مرتب المنحة، وسيتصل بالأولاد للاطمئنان
عليهم، ثم يعود إليك لتقرأي له فصلا سيعينه في إنجاز خاتمة الرسالة. والفنانة ماذا
ستفعل؟ إلى أن يعود الدكتور سأبقى مع لوحة "باب الصحراء"، إنني على وشك
الانتهاء ووضع اللمسات الأخيرة.
***
حسام المقدم
إرسال تعليق