كانت أياما جميلة
أحمد دسوقي مرسى
كانت أياما جميلة، أحمد دسوقي مرسى |
يا رب انها نفس الطريق الطويلة التى طالما
سرت عليها في الماضي البعيد لم تتغير
كثيرا . لا اكاد اصدق نفسى ها هى ذى
البيوت عن يسارى لم تفقد رواءها القديم كثيـــــرا ، و هذا هو " الرياح
التوفيقي " عن يمينى لا زال يتدفق بمائه بين ضفتيه الضيقتين ، طيبا حنونا كما
عهدته قبلا ، ثم لا شىء بعد ذلك جديدا سوى تلك الاكشاك الخشبية الغريبة التى بنيت
على الجانبين كالحشائش الشيطانية ، تخز أعين السائرين كالقذى ...على اية حال لا بأس
بها مع ذلك رغم منظرها الفقير الكئيب ، فهى قليلة و متناثرة و ليس فى مقدورها حجب
النهر الجميل عنى
قلت له ملاحظاً و الفرحة السكرى تعربد فى
قلبى
-
لا زال " الرياح " كما تركته ، طويلاً
، وديعاً ، ضيقاً ، فياضاً بالماء كما كان . اكاد احس ان كل شىء احتفظ بنفسه حتى
اعود اليه و اراك مرة اخرى
نظر الى متعجبا ، تضاحك مسرورا . زعق بصوته
ساخرا :
-
يا ســـــــلام ....ذاك قول شاعر ، شفه الوجد
و الحنين . و لكنك أخطأت يا سيدى الشاعر تمام الخطأ
-
و فيم أخطأت؟
-
يا صاح ...كان يجب عليك ان تلاحظ " انك
لا تنزل الى نفس الماء فى النهر مرتين " اضحكني قوله ، و تذكرت طريقته
المفحمة فى الحوار قلت اغيظه فى مداعبة :
-
ارايت.حتى طريقتك فى الحوار لم تزل – اقسم لك
– كما كانت .... لم تتغير . ثم انحدارنا قليلا الى اليمين كان كوبرى المشاة الصغير
مزدحما بالسيارات و الــــدراجات و عربات الكارو و خلق كثيرون يعبرون عليه بلا
انقطاع
-
ياه نفس الازدحام القديم
عند نهايته رايت كشك المرور القديم ، لا زال
عن يساره قابعاً . تطلعت اليه مشغوفاً كأثر عزيز قديم و حملتنا الاقدام نحو اليسار
الى الطريق الزراعى الطويل . اخذت نفساً طويلا كأنى استاف عبير الماضى كله و
حملتنى الذاكرة تطير بى الى سنين بعيدة كانت عنى قد تولت ....أحسست فجاة و كانى
سرت على هذه الطريق بالامس فقط . قلت له وحنينى الى كل الاشياء يتوهج فى اعماقى
كجذوة .
-
سرنا على هذه الطريق مئات المرات ....أتذكر ؟
-
طبعاً
و تهادت خطواته و كأنه يستمتع بمشهد الماضى
البعيد يتراىء امامه مثلى ... استطردت و قلبى يخفق بالحـــب و الحنين
-
عندما عدت هنا – صدقنى – كانى عدت و الله الى
الصبا و الشباب ....الا تحس بذلك مثلى ؟
هز راسه محزونا . وضع يديه خلف ظهره
-
أتريد الصدق ؟
ابتسمت . شعرت انه بدأ يناكفنى كعادته التى
احفظها عنه منذ أيام الصبا
-
نعم
-
انا من ناحيتى ....لا احس بأى روعة لاى شىء
هنا ...هذه هى حقيقة شعورى ان اردت ان تعرف
ثم رزح صمت ثقيل بيننا كالنكبة . نفخت فى
حسرة كلماته اسقطت فى قلبى قطرة حزن اسود . قلت فى نفسى ليته ما نطق ...استمر فى
كلماته بعد هنيهة كأنه يركل نشوتى بصراحته الحجرية . !
-
لا تغضب من الحقيقة ...سأحاول اقناعك الان
...أنت تحس بالحنين لكل شىء هنا لانك انقطعت عن زيارة المدينة سنين طويلة . صح
-
ربما ....كلامك معقول مع ذلك
-
طيب ....هناك شىء اخر ....اود ان تذكره و
تعيه لقد عشت كل شبابك فى هذه المدينة ...هل احسست يومها و انت تعيش فيها بثقل كل
هذا الحنين ؟
تطلعت اليه ساكتا و طيور الاسى تحلق فوقى
....استمر يدوس بكلماته الصاخبة كل حنينى و اشتياقى
-
مطلقا لم تحس ، و لطالما شكوت لى من الملل
الفتاك و حياتك تمضى هنا رتيبة بلا تجديد
....اتذكر ؟ ....و كم تمنيت ان ترحل الى البعيد عن هذه البلدة التى انت الان تحترق
فيها باللوعة و الاشتياق
-
كل ما قلته هو الصح بعينه و لا انكره ابدا
و ابتلعت ريقى كغصة ....كان الغضب فى اعماقى
يتمرد على ان اثور فى وجهه ...قلت له بعد لحظات و انا التقط حجرا القى به فى الماء
بعيدا
-
لا تحاول ان تكون قاتلا لاى سعادة ....اذا لم
تستطع ان تخلص الناس من الشقاء ....فاحجم عن طعناتك للقلوب ابتسم فى حرارة :
-
حتى .....لو كانت السعادة التى يستمسكون بها
وهماً
-
نعم ....فالسعادة هى وهم البشر الجميل و
زادهم فى رحلة المعاناة و الشقاء
قال معاندا :
-
حين اعيش الواقع ، و اتعايش معه بحلوه و مره
احس بالقوة و من ثم السعادة قلت احاوره :
-
كلنا نعيش الواقع مثلك و لكن السعادة التى
تسميها وهماً هى امل الحياة و جناحاها
هز راسه و اخلد الى الصمت . اعرف انه لم يقتنع
....لقد سكت حتى لا يغضبنى و انا النزيل عليه ضيفاً ...كانت اقدامنا تدق على الارض
لحنا هادئا ، رزينا ، و عيناى المشتاقتان تنطلقان
خلف الاشياء تحنانا و انعطافا ...نفس الاشجار
القديمة ما زالت تصطف كما العماليق على جانبى الطريق رؤوسها الشوامخ تتمايل مع النسيم
نشوى او غضبى ، كروحى السكرى التى عكر بعض صفوها صديقى اللدود . تذكرت كل القرى
التى وصلت اليها يوما مع نفس هذا الصديق المشاكس سيرا على الاقدام : " منية
السباع " شبلنجة " ثم القطيفة " ....اه ....لو تتخلى عن نقاشك
العقيم و تخلع عنك قناعك السئيم ، و تعود الى ماضيك التليد و تمشى معى حتى شبلنجة
....لاشم هناك ذاك العبير الذى عتقته لابد تلك السنين
قلت له مبتسماً و اعماقى ترتعش خوفاً من رفضه
:
-
ما رايك – يا بطل – لو وصلنا الى شبلنجة
سائرين على الاقدام ....انتظر قليلا سأحس لو فعلنا اننا عدنا الى الصبى من جديد
تنهد . مصمص بشفتيه متحسراً و ابتسم
-
و ما جدوى الاحساس بالشىء و انت لست منه و
ليس فيك
ابتسمت متخاذلا :
-
فلنحاول يا اخى ....ما بالك اليوم مناكداً
-
نحاول ....
و قلب شفتيه ساخرا :
-
اتحداك ....لو استطعت ان تصل اليها وحدك سيرا
على الاقدام
يا رب ...كنت احس من اعماقى انه سيرفض فلماذا
بالله سألته ؟
استطرد يطعن حنينى ، بنصال كلماته
-
انا عارف لماذا تريد الوصول الى شبلنجه
؟......
و لكن ارجوك ....اطرد عنك هذه الاوهام التى
تطن فى راسك طنين الذباب ...فكل شىء قد تغير ، و لن يعرفك فيها احد مهما صرخت فى
ارجائها بأسمك
تمنيت من اعماقى المغتاظة ان يكف عنى كلماته
اكاد احس بالذنب لانى حطمت احلامى بأرجل فيل . سأنعت نفسى بالغباء لانى سلمت له
اوراق احلامى كلها . انه الان يحرقها – و ااسفا – و لا يبالى ، و لكنى – و الله –
معذور . غبت عن مدينتى كل تلك السنين فنما لروحى جناحان رقيقان هائلان نسيجهما مع
الايام من حبى و اشتياقى و حنينى
....وظننت اننى لو عدت ستحملاننى لاحلق بهما طائرا عبر الماضى الجميل كله و لكنه – يا حسرتى – امسك
بيده الغليظة سكينا و فصلهما عنى من غير رحمة ، و دون ان يحترم لهفتى او شعورى
..انا لم اكلفه شيئا سوى هذه النزهة التى طلبتها منه كصديق قديم ...شاركنى فى يوم
من الايام الامى و امالى لم انظر اليه باخت نزهتى . لماذا بحق الله اسير معه الان
؟ و هو قد اطفأ كل مصابيح شوقى
و
نشر الحقيقة المفزعة ذات الاشواك امامى . احس الان بساقى تؤلمانى . ألتوت بنا
الطريق قليلا تجاه اليمين و بدا " الرياح " يفارق صحبتنا مختفيا كلما
زاد انحناء الطريق نحو المشرق . كان يمضى بجوارى صامتا ، تعيسا . انكرت فيه صديق
الماضى الحبيب ...خالسته النظر و هو يمضى معى مذهولا . كان وجهه الهضيم كئيبا فى
صمته و شفتاه الرقيقتان مزمومتان فى اصرار و عناد و كأنهما تحبسان كلاماً قديماً
انحبس فى القلب منذ زمن بعيد فوداه
اكل الشيب منهما السواد . راح ينفخ من منخريه بين الحين و الحين هواء مسموعا كمن
يضيق بكل الاشياء و بى ....اردت ان امزح معه لانفض عنا هذا الغضب الصامت الذى
تراكم علينا كغبار كثيف خبطته على كتفه و انا اضحك :
-
هيه . صح النوم لا اسكت الله منك حسا
افاق من شروده . نظر الى و ابتسم :
-
الحقيقة ان مرض الولد هدنى
تعجبت من قولته التى اطلقها بلا مقدمات هل ود
ان يبوح لى بهموم قلبه انتظرته يتكلم . بيد ان كلماته انتهت عند هذا التصريح
المبتور و لم تزد . عاد يحتمى برقة الصمت من جديد . قلت له مهوناً :
-
يا اخى لست وحدك . ابنائى ايضا ارونى فى أمراضهم
كل النجوم فى عز الظهر فأصبر
لكنه – مع ذلك – لم يتكلم ، و لم يعلق ظلت
خطواته المستأنية تتناسق مع خطواتى الهادئة و يداه الطويلتان تتشابك راحتاهما خلف
ظهره بلا مبالاة ...اترانى عرفت الان سبب حزنه و مشاكسته لى ربما ...اعماق الانسان
تبدو كبحيرة رقراقة بالماء ....كلما هبت عليها ريح عاصف ترسبت فى اعماقها الطين و
الحصى و كل نبت و حيوان يموت ...فهل نلوم الماء بعد ذلك ، اذا اخضر سطحه ، و اعتكر ....تبدد غضبى عليه ارثى لك يا صديقى
. نسيت عادتك القديمة حين كنت تطل على بوجه محزون فأعرف عنك انك جئتنى لتشكو الى أوصاب
نفسك ...انا – فى الحقيقة – أقدس حزنك و لن افرض نفسى عليك الا اذا بحت بالامك لى
بدأ الكوبرى الاسمنتى كقوس رهيب متعاليا فى شموخ
فوق الطريق الزراعى ، و طرفاه يتصلان بالطريق المرصوف الذى يمتد بلا نهاية ...كانت
السيارات العجلى تنهبه فى تلك اللحظات جرياً الى طرفيه ...تمنيت من اعماقى ان ادور
حول طرفه الايمن المندس بين احضان الحقول و
اصعد اليه
رفعت وجهى اليه اقرأ فيه سطور أيام غوابر
-
كم سرنا كثيراً ....اتذكر ؟
-
نعم كثيرا جداً
و عاد يخفى لسانه فى حلقه من جديد ضحكت له و
انا اشفق عليه
-
اسمع انت تقيل الدم جداً
-
حرر يديه ، و ابتسم
-
نفس الكلمات – و الله – قالتها لى ، زوجتى
منذ يومين
هللت ضاحكا . امسكت بكتفه القريب منى
-
أرايت ....لست وحدى اذن الذى حكم عليك زوجتك
سبقتنى فى الحكم عليك ...فما السبب ؟
-
ليس هناك من سبب ...صدقنى
-
مستحيل ...فكل شىء لوجوده سبب
-
صحيح
و مع ذلك لم يتكلم . هز رأسه ، ثم سكت ارغمنى
صمته الحزين على لقائه بمثل صمته . قلت فى نفسى : " دعه يستريح فى سكوته ،
لعله يرى فيه هناءته ولاتسلى انا بالنظر الى الاشياء التى ما غبرت قدمى فى هذا
السير الطويل الا لها كانت السيارات تتسارع على الطريق بجوارنا كالشياطين و ما زال
الطريق ممتدا بلا نهاية . ضيقا – رماديا – لامعا تحنو عليه الاشجار و تتهامس فوقه
مع النسيم و الاطيار
اختفى الرياح التوفيقى تماما ، و تغير المنظر
جدا استبدل يسار الطريق بالنهر ضفة عالية ، واسعة . انتصبت على جانبيها اعمدة
التليفون ، و نامت فوقها قضبان السكك الحديدية ....بينما تزاحم على منحدرها الضيق
الطويل نباتات التين الشوكى و البوص الاخضر ،
و
الحشيش ...من بعيد عن يمين الطريق ووسط الحقول الخضراء التى تمضى نحو الافق البعيد
ربضت الفناطيس البيضاء . الاسطوانية . المهيبة لاحدى شركات البترول
-
اسمع . لنرجع ....لقد تعبت
باغتنى قراره . كنت احس احساسا صادقا انه
سيباغتنى به بين لحظة و اخرى فنظره ينبىء عنه ألتفت اليه لمحت صفحة وجهه المتعب ،
و هو يقف استعداداً لان يعود
-
هيا نرجع
قالها برقة و كانه يرجونى شعرت بحزن ثقيل
يغشى اعماقى كدخان كثيف كنت اتمنى لو سار معى الى ( منية السباع ) القريبة . قلت
له فى مداعبة و انا استدير مستسلما للعودة
-
انسيت يا بطل انك كنت تسير معى حتى الواحدة
صباحا
مصمص بشفتيه قال فى برود اغاظنى جدا
-
يا اخى ....انت تعيش فى الماضى بشكل عنيف
تذكر انها ايام مضت و لن تعود ابدا
ثم صمت فجاة كما بدا ثورته و ابتلع ريقه
بصعوبة كانما يبتلع عصا
قابلت صمته الثقيل بصمت اثقل قلت فى نفسى
( لا حول و لا قوة الا بالله جت الحزينة تفرح
مالقتلهاش مطرح .. ما علهش يا زهر )
و كانه احس ان كلماته قد انطلقت من فيه
كالبارود و اننى ربما غضبت منه بدأ فى
الاعتذار
-
انا اسف ....ارجوك لا تحمل كلماتى اكثر مما
تطيق فانا لسوء حظى و حظك ثقيل الدم جدا كما لاحظت لمتاعب فى البيت و العمل انت فى
غنى عن سماعها وقفت قليلا اخذت احدق فيه مبتسما كان الرثاء لحاله يملانى اكثر من
الغضب عليه تضاحك فجأة بلا مقدمات
-
و المدام كما تعرف ....تنتظرنى و اذا غبت
عنها جلدتنى بسوط لسانها الطويل
امسكت بيده
-
هيا يا اخى نرجع ...انت محق تماما فيما قلت
....فما معنى ان اسير فى طريق لا تسلية به و لا فيه شىء مثير
و اشحت بيدى بعيدا كأنى اؤكد له كلماتى
بالاشارة
كانت خطوات العودة هادئة مستأنية كما بدأناها
بدت الطريق طويلة . مملة . مع اننا لم نتوغل فيها كثيراً ...حتى الاشجار على
الجانبين وقفت صامدة بلا معنى كانها تنتظر شيئاً ابدا لا يجىء قلت له و نحن نقترب
من كشك المرور ، و الكوبرى من جديد
-
لقد تعبت ....سأستريح قليلا فى هذه المقهى
و اشرت بيدى الى مقهى صغير ، صفت كراسيها
البلدية بجوار الرياح
-
طيب ...اسمح لى ان استاذن بالانصراف ....و
انا اسف جدا لانى كدرت عليك نزهتك
ثم مد لى يدا ضخمة سمراء لمصافحتى ، و ابتسم
فى تأثر عميق :
-
فيم الاسف ؟ ...انا احس بك . انت صديق قديم
مع سلامة الله . اراك دائما بخير
-
الله يسلمك
و سار قليلا ثم استدار فجاة كما لو كان قد
نسى شيئا معى
- اسمع ...ارجو ان اراك مرة اخرى قبل ان
تسافر
- ان شاء الله افعل
و رفع يده بالتحية و مضى يخب فى طريقه بأرجل
طويلة نحيلة ....جلست منهوكا على اقرب كرسى صادفنى . ارحت ذراعى على منضدة خشبية .
صغيرة محل لونها و تزاحمت البقع
البنية على سطحها . اطلقت نظراتى خلفه تتلصص عليه ... فى ظهره انحناء قليل ،
لايبدو الا من بعيد ...ترى ما الذى حدث له حتى تغير ؟ ! . اختفى الان تماما .
تنهدت . شردت عيناى الى البعيد . " فعلا انت اصدق منى ....اننى اعيش فى وهم
كبير اسمه الماضى . حسبت اننى اذ اعود . سأعود الى الصبا و الشباب ، و العجيبة يا اخى اننى اكابر ، و
اعاند و اود ان اسير الى ( منية السباع ) ...طيب و النتيجة . أنا احس الان بتعب
شديد ، و نشر فى ساقى مع اننا
لم نسر – بالكاد – الا ثلاثة كيلو مترات
....يا خبر ...انا كبرت بالفعل . تناسيت الزمن ...فذكرنى الزمن الذى لا يرحم
بالتعب لم اعد كما كنت ، و لم تعد الاشياء هى الاشياء كما تقول و هذا الصديق – كان
هو افضل ، و اروع اصدقائى – كان مرحا ، و مخلصا و صادقا ....تغير هو الاخر ، و
تزاحم الشيب فى راسه و انحنى ظهره ، و صار اشد عنادا و اهتياجا .... ظروف ...ظروف
يا اخى و ايام ....يا سلام على الدنيا ...يا سلام
و عدت اشرد من جديد و نظراتى تنسكب فى خواء
سئيم على العربات و الناس و باعة الفاكهة المتزاحمون على الرصيف و النادل العجوز ،
و هو ينتقل بصينياته المستديرة ، الصغيرة عبر رواد المقهى الصغير كالالعبان
.....ياه ....اين طفولتى و صباى بيتنا الكبير الذى بيع بعد موت ابى . المدرسة
الثانوية التى هدمت و بنيت على ارضها مساكن شعبية . سفرى يوميا الى شبلنجة طيلة
خمسة اعوام ...اهذا معقول ؟ ...لابد انها تزوجت الان و انجبت طبعا ...لابد اتراها تعرفنى لو راتنى
بعد كل هاته السنين . ايام القلق . اليأس من كل شىء . الملل من الحياة . افترقت و
اياها لظروف اصعب منى و منها ....الصديق الوحيد الذى كان لا يفارقنى ، كان كتابا
لى اقراه و قتما اشاء ....اتراها تذكرنى ؟ ...ام ان الزمن اللعين انساها صورتى
فيما انساها ....نصيحته لى بالزواج .....يتزوج قبلى
بعام . اتزوج انا بعده انجب خمسة اولاد
....لا ينجب هو الا ولدا وحيدا مريضا . فرقتنا الايام . اهجر المدينة الى مدينة
بعيدة ، و الخطابات بيننا مستمرة مع انها شحيحة . اه ....لو رايتها فجأة امامى
الان ....ترى ماذا كنت أفعل ؟ ...كيف سأتصرف ؟ و ماذا لو كان معها زوجها ؟ و اعود
بعد ان امرضنى الحنين فلا اجد شيئا يرحمنى ، و يعود بى الى ايامى الغابرات فى قلبى
الان غصة ، و بكاء على شىء لا اعرفه . احسه و لا اراه ...ضاع أنظر بعيداً تجاه
السماء ...هذا هو المساء قد اقبل ، و تغطى الشرق بوشاح العتمة . نسمة صيفية تهب
على الطريق . تكنس الاوراق و القش تحت الرصيف استرحت الان قليلاً ...فلاعد الى بيت
أخى ....اه لو اراك مرة واحدة . مرة واحدة لاتحمل مرارة الحاضر ، و اتزود منه بزاد
أعيش به فى الايام التالية . انهض . اين انت الان ؟ أتأوه . ركبتاى تؤلمانى . أمشى
وحيداً . انحنى الى الكوبرى . اصوات اجهزة الراديو و الكاسيت تتعالى و تتشابك فى انزعاج مريع
إرسال تعليق