مسرحية جنكيزخان
مسرحية جنكيزخان، بقلم: إبراهيم محمد عامر |
بقلم: إبراهيم محمد عامر
(
خيمة وسط مجموعة من الخيام حيث عسكر جيش التتار استعدادا لفتح إحدى البلاد
المجاورة .. أربعة رجال مجتمعين : باتو ، هوان ، جاموغا ، آسين .. الوقت : ليلا ...
)
باتو :
ألم يظهر بعد ؟!
هوان :
كلا ..
باتو :
أين اختفى إذن ؟
جاموغا :
يختفي ويعود هكذا دائما ..
باتو :
لكن هذا المساء طال اختفاءه !
جاموغا :
لا يهم .. غيابه أفضل من حضوره ...
باتو :
لا تنس إنه الزعيم والقائد ..
جاموغا :
فقط أمام الناس ..
باتو :
ولو ...
جاموغا :
إذن ارسل من يبحث عنه ..
باتو :
سأفعل .. (
يخرج .. يغيب للحظات ، ثم يرجع ) سيبحث عنه أحد الجنود ويرجع به ..
جاموغا :
أتمنى أن لا يفعل ..
باتو :
قلنا وجوده مهم من الناحية الشكلية ..
جاموغا :
( يتجاهله ) ما
الموضوع الذي سنناقشه اليوم يا أسين ؟
أسين :
من المفترض أن نتناقش في قضية أسرى الأعداء الذين سقطوا في أيدينا خلال المعركة
الأخيرة ..
جاموغا :
وهل في ذلك نقاش ؟ اقتلهم ..
أسين :
كنت أنوي فعل ذلك غير أن ..... ( ويصمت ) !
جاموغا :
غير ماذا ؟ .. انطق ..
أسين :
اقترح جنكيزخان اقتراحا آخر ..
جاموغا :
من ؟
أسين :
ترفق يا جاموغا ولا تكن عصبيا كعادتك ..
جاموغا :
كلام مثل كلامك يستدعي الوقاحة لا العصبية ..
أسين :
لا تتجاوز معي .. ولا تنس أننا سواسية في المنظمة الأخوية ...
جاموغا :
هذا ما يمنعني عنك ..
أسين :
( للبقية ) رأى
جنكيزخان أن نستبقيهم لمفاداتهم بأسرانا ..
جاموغا :
اللعنة !
باتو :
اتفق مع جاموغا هذه المرة يا أسين ..
هوان :
وأنا أيضا ..
جاموغا :
لن أسألك يا أسين لما أطعته فيما قال ، ولكنني أسألك لما سألته من الأساس ؟!
أسين :
لم اسأله .. وهل يسأله أحد أو يهتم برأيه ؟!
جاموغا :
إذن كيف سمحت له بأن يقترح ويقرر ؟!
أسين :
لو سمحتم لي بالكلام لفهمتم كل شيء ، ولعلمتم أنه لم يكن لي يد في الأمر ..
باتو :
احك ..
أسين :
لقد سمعني بالصدفة ...
جاموغا :
بالصدفة !
أسين :
نعم بالصدفة .. فقد كنت أتحدث مع أحد الجنود لأبلغه بقرار قتل الأسرى ... وإذا به
يظهر فجأة .. ويتدخل مقدما اقتراحه ..
جاموغا :
ولما اعطيته الفرصة ؟
أسين :
هل كنت أدعه وأجري ؟!
جاموغا :
أف لردودك السخيفة !
أسين :
وأف للنار التي تسكن داخلك وتجعلك تكره الجميع ..
باتو :
لا تتجاوز يا أسين ، وعد لحكاية ما جرى ..
أسين :
ناداني أمام الجندي وقال بصوته المرتبك المخنث .. أسين ، لا تأمر بقتل الأسرى ربما
استفدنا منهم لإنقاذ جنودنا المأسورين ...
هوان :
رأي صائب ..
جاموغا :
( ينظر لهوان في غضب ويزمجر ) !!
هوان :
( يتراجع عن كلامه ) ربما يكون صوابا ..
جاموغا :
( يزمجر ثانية )
!
هوان :
اللعنة .. ولما سمحت له يا أسين بالحديث ؟
أسين :
كلكم تلقون باللوم علي .. ولو كان أحدكم مكاني لتصرف كما تصرفت بالضبط ... (
يحتجون عليه فيواصل ) نعم ... لو كنتم مكاني لما فعلتم إلا ما فعلت ....
جاموغا :
كفى جدالا ...
أسين :
أنتم من بدأتموه ..
جاموغا :
فلننظر في أمر آخر ...
باتو :
هذا أفضل ..
هوان :
وأمر الأسرى ؟
جاموغا :
سنتركهم أحياء ..
هوان :
ألن نقتلهم ؟
جاموغا :
قلت سندعهم أحياء ..
باتو :
لقد عرف الجندي رأي جنكيزخان في المسألة ولن نقدم رأيا يخالفه وإلا تسرب الأمر
للجيش وفسد كل ما نفعله منذ سنوات ...
هوان :
الغريب هو كيف خطرت له هذه الفكرة
؟!
باتو :
ربما سمعها من أحد ما .. لا تنس أنها فكرة متداولة وكنا نفكر فيها أيضا لولا أن لجاموغا
رأيا مخالفا دائما ..
جاموغا :
اصمت ...
باتو :
أرى أنك تتصرف بتعال كبير معنا وتنس أننا جميعا سواء ..
جاموغا :
ربما نكون سواء في الثروة والمنظمة الأخوية لكننا لسنا كذلك في القدرات العقلية
وحسن التصرف ...
أسين :
أرى أنك تتجاوز في حقنا
..
جاموغا :
( ساخرا ) جميل أنك فهمت ذلك ...
أسين :
( يندفع نحوه ) سأضربك ...
باتو :
كفوا عن هذا الهراء !
أسين :
هو من تجاوز ...
جاموغا :
أنت من وضعتنا في هذه الورطة ..
أسين :
لم يكن أمامي قرار آخر .. هو طلب .. وأنا نفذت .. ولا تنس أبدا أنه القائد ...
جاموغا :
أمام الناس ..
أسين :
ولو .. ولذلك اطعته ..
باتو :
أنني أوافق أسين الرأي ..
جاموغا :
توافقه لأنك تعارضني ..
باتو :
دائما ما تعتقد أن الجميع ضدك ..
جاموغا :
هذه حقيقة ..
باتو :
جميعنا يقدرك ..
جاموغا :
لم أشعر بذلك أبدا ..
باتو :
وكيف نبرهن على ذلك ؟
جاموغا :
أنتم تعلمون .. وتراوغون ..
باتو :
لنتكلم بصراحة يا جاموغا .. صحيح أننا ندير الإمبراطورية .. ونضع الخطط والأهداف
للجيوش .. لكننا مجهولون عن الناس .. لا يعرفوننا .. ولا يعرفون حقيقة دورنا في
هذا العالم .. نحن في نظرهم مجرد تجار ملتحقون بخدمة الفاتح العظيم .. وسيد العالم
.. جنكيزخان ... لا أحد يعرف أننا سادة العالم الحقيقيين .. ولا أحد يعرف ان
جنكيزخان .. مجرد دمية .. تظهر أمامهم في المناسبات وخطابات النصر فقط ...
جاموغا :
( يصغي باهتمام ثم يهز رأسه ) للأسف ...
باتو :
ليس في الأمر أي أسف يا صديقي .. إننا ربحنا من وراء هذه اللعبة ما لم يربحه أحد
في التاريخ ... وكذلك تجنبنا من وراء هذه الخدعة أحقاد وثارات كانت كفيلة بأن
تقتلعنا من الحياة من عشرين سنة ...
جاموغا :
ولكن ...
باتو :
كنت تطمع أن تكون مكان جنكيزخان ، وأن تكون لك تلك الهالة المحيطة به وباسمه ..
ولكن ... رأى السيد الأكبر أن مكانك هنا أفضل ...
جاموغا :
بكل أسف ...
باتو :
وأنت مقسم على السمع والطاعة.. ونحن جميعا .. إذن فاطرح عن رأسك يا صديقي تلك
الأوهام التي تملأه وكن شخصا واقعيا واستمتع بما تنجزه ونجنيه سويا ..
جاموغا :
سأفعل ..
باتو :
دائما ما تقول ذلك ..
جاموغا :
في نفسي أشياء وأشياء ..
باتو :
كلنا كذلك ..
(
يدخل جندي )
الجندي :
أيها السادة !
باتو :
ما الأمر ؟
الجندي :
( في احترام بالغ ) الخان الأكبر ..
باتو :
هل وجدته ؟
الجندي :
نعم .. كان يمشي تجاه معسكرات الأعداء .. ولحقناه بالكاد ...
جاموغا :
ليتك تركتهم يقتلونه ..
باتو :
ماذا كنا نقول يا جاموغا ؟
الجندي :
واستطعت أن أحمله إلى هنا دون أن يراني أحد من الجيش ..
باتو :
ستنال جزاء إخلاصك ذهبا ..
الجندي :
( في فرح ) إنني دائما ما أنفذ أوامر سيدي .. هل اسمح له بالدخول ؟
باتو :
نعم ..
الجندي :
( يعلي
صوته معلنا حضور جنكيزخان ) سيد الأرض ... والخان الأعظم ..
جنكيزخان !
الأربعة :
( ينحنون في احترام مزيف
) فليتفضل
جلالته ...
(
لحظات .. ويدخل جنكيزخان من باب الخيمة .. وإذا به رجل قصير للغاية .. قزم ..
يرتدي ملابس مهلهلة .. ويبدو عليه عدم الاتزان .. ويمسك بيده مصاصة أطفال يضعها في
فمه )
(
يخرج الجندي .. )
جاموغا :
( يقترب من جنكيزخان ويضع يده على كتفه كالأطفال ويسأله ) مولاي .. هل بك
شيئا ؟!
جنكيزخان :
( لا يجيب .. ويبتعد عنه قليلا ) !
جاموغا :
مولاي .. هل تعرضت لأي أذى ؟
جنكيزخان :
نعم ..
باتو :
ومن يجرؤ على ذلك ؟
جاموغا :
اخبرني ما الأمر .. وسوف اتصرف في الحال ...
جنكيزخان :
( ينفجر صائحا وبصوت باك ) عروستي القطنية .. عروستي القطنية ضاعت مني يا
جاموغا .. ( ويصرخ باكيا كالأطفال ) عروستي القطنية ضاعت !!
إرسال تعليق