اضاءات نقدية على خمسة نصوص أدبية كاشفة

بقلم: محمود الشربيني 

ليست مجرد خمسة نصوص لخمسة قصاصين.. وانما في واقع الأمر هي خمس ندوات كاملة.. عقدت في ندوة واحدة .. خمس شخصيات كل منهم له ذائقته ومذاقه الخاص.. له تركيبته وأفكاره.. له أسلوبه وطريقته في الحكي والقص . كل منهم ينتمي إلى مدرسة مختلفة.. ومن هنا فقد أرهق د. يسري عبد الله نفسه إرهاقا شديدا .. فقد كان عليه أن يعرف عن كل مبدع ومبدعة من هؤلاء كل ما أشرت إليه آنفا.. كي يستطيع تقديم نصوصهم والتحليق فيها وحولها .جهد مضن ومضاعف هذه المرة.. 

فقد كان على منصته الدكتورة عبير الحلوجي.. صاحبة النص الذي أجمع عليه الحضور.. فقد كان يتماس مع الواقع المعيشي.. أنا من مدرسة تؤمن بأن الفن والأدب ليسا للفن والأدب فقط.. وانما للحياة.. وبالطبع لابد أن امنح تقديرا خاصا للنصوص التي تتسق مع أفكاري وتعبر عنها. ومن هنا فإن عبير ونصها الذي قدمته بعنوان قربان كانت في طليعة النصوص التي اشدت بها . وللمفارقة فإن الدكتورة عبير تكتب نصها بطريقة تمزج بين الجمل الحوارية والمشاهد التمثيلية.. فكانت " قربان" اقرب إلى النص المتمسرح أكثر منه مجرد حكي. وقد ظهر هذا عند اشارتها لمكالمة هاتفية تلقتها بطلة القصة .. فما كان منها إلا أن صورت رد فعلها على رنين الهاتف حيث" شهقت" على طريقة الممثلين.. 


"قربان" نص مدهش لعبير الحلوجي يكشف عن أوضاع موظفة تعمل في احدي المؤسسات وتنهال عليها الطلبات من جانب الزوج والأولاد .. وهي لا تجد لحظة لنفسها وانما كل شيء مسخر لأسرتها التي تعتمد عليها. تحاول أن تتمرد في البداية على الزوج وتقمعه وتسول لها نفسه تجاهله وحتي عدم الإهتمام بنظافة ملابسه.. ولكننا مع تصاعد الأحداث نفاجأ بأنها تتحول من التمرد الشرس ضد الزواج إلى الانصياع اليه وحتي تقديم نفسها قربانا له لكي تحقق مطالب ابنائها. تبدو قوية في البداية ومستقلة .. لكنها تنتهي مقموعة كليا رغم محاولات التمرد . قصة تستحق الإشادة .. من الغريب أن تكتبها أكاديمية بنفس لغة الموظفات. ولنا أن نتصور برنسيس مثل عبير تقدم شهقة أثناء حديثها في التليفون كالتي كتبتها ونطقتها اثناء الندوة .. وكأنها موظفة أصيلة أو من نفس البيئة الشعبية تماما. 

القصة الثانية التي تأسر عقولنا.. وكانت أشبه بقطع الدانتيل. كانت قصة" البحث عن سميحة" للمبدعة علياء مصطفي Alyaa Mostafa - تلك إطلالة جديدة لي على إبداعها من خلال منتدي المستقبل -من اهم القصص الخمسة المطروحة على رواد المنتدي ورائدة.قصة دافئة للغاية.. طولها حب وعرضها دفء وعمقها حزن عارم ..الصور آلتي قدمتها علياء بديعة للغاية.. وإنسانية جدا ورقيقة وفيها مشاهد لو تحولت إلى قصة تليفزيونية ستكون سكريبت جاهز لا يحتاج.شيئا إضافيا.فقد ابدعت السيناريو ورسمته بأحكام وبعبارات وأسلوب فريد .. يعكس الصورة التي تريد لها أن تستأثر بوجداننا وتستلبه من اول الشجرة المطرزة بالدانتيل على باب الشقة إلى الأريكة التي تستدفيء بالفرو لتحتضن قطاة سميحة ساكنة الشقة التي تعرفت عليها جارتها حديثا .. وبدأ أن كيمياء برجهما الواحد وحب القطط واللمسات العاليه في الذوق والملابس قد وحدت بينهما.. حتي أنهما بدأ يلتقيان على موعد يومي بعد عودة الجارة ..جارة سميحة من. عملها..وصولا إلى مشهد درامي للاحتفال بعيد ميلادها والذي عكس فهم سميحة لشخصيتها في أيام قلائل بينما عجز المقربون منها عن فهم شخصيتها على مدي أعوام. لقد منحتها باقة ورد .. ورقصتا معا على إيقاع كاسي شامبين حتي سقطت سميحة على الأريكة من فرط الجمال الراقص ذوبانا ومحبة لصديقتها. 
القصة ليست مترهلة كما راي البعض.. بها هنات وبها بعض الأخطاء.. لكنها كانت تحتاج إلى الاستزادة وليس النقص.. وربما يدفع ذلك بعلياء إلى تحويلها من قصة إلى رواية كما ألمحت لي بعد الندوة. وهو ما وافقني عليه الأستاذ الناقد سيد الوكيل.


للاسف لم أتمكن من قراءة نص هناء متولي الذي حظي باهتمام الناقد د. يسري عبد الله وعدد من الحضور.. فقد صادفني حظ عاثر وانا أحاول الوصول إلى النص على الهاتف. والحقيقة أنني أيضا لم انفعل بنص محمد ممدوح الذي هو منفصل عن الواقع ..وبالاساس هو يكتب كتابة مغرقة في الخيال..وهو مالا يستهويني.. خاصة وأن لغته كانت تستعصي على الفهم .. وقد أشار إلى هذا الناقد سيد الوكيل..حينما أوضح بعض مقاصد ممدوح -الذي حظيت مجموعاته الأربعة السابقة باهتمام كبير -من وراء قصته الغريبة. 

القصة الاخيرة كانت قصة الصديق هاني منسي..صاحب مجموعة سنكسار.. التي اشدت بها من قبل.. وقصته الجديدة التي ألقاها بعنوان "جعفر البغل" .. جاءت في مستوي أقل من سابقاتها.. وكانت عالية في الايروتيكا ا"لصعيدية". نص لم يكن موفقا في العرض العام ..ولم يكن هناك طائل من ورائه سوى أنه ينبيء عن كاتب ساخر حقيقي. هاني منسي ساخر جدا .. ويجيد الكتابة بلغة أهل قريته تماما.. ولعل سيرة جعفر البغل كانت قماشة واسعة للخيال لولا أن هاني لم ينتبه إليها من هذه الزاوية. حتي أن هناك من القاعة من تذكروا قصصا مماثلة لما يجري من علاقات" الناس العبيطة"- إذا جازت التسمية في القري - واستذكروا كتابا من مشاهير الكتاب قدموا مثل هذا اللون من الأدب. وانا ادعو صديقي الذي هنأته على حصوله على دبلوما النقد المسرحي أن يولى مشروعه الادبي الاهتمام الذي يستحقة.. فيقرأ كثيرا كثيرا ويبدع قليلا.. وسوف يتحقق له مايريد وما نريد له من تطور وتقدم.

شكرا للمنتدي..منتدي المستقبل.. الذي نحاول كلنا فيه أن تبلغ ذرى .. أعلى الذرى ..بتعلمنا من بعضنا وتحاورنا مع بعضنا ونقد بعضنا .. وهكذا نتشارك معا .. فالمشاركة هي أعلى درجات الإنسانية. 

Post a Comment

أحدث أقدم