مائدة منحنية 

إبراهيم محمد إبراهيم


على مائدةٍ تشبه ظهر أبيك المنحني
تحفرُ على خشبٍ باهتٍ ثقبًا يتسلل منه دخان الليل 
الليل الذي واساك حين كنتَ صغيرًا
تحشرُ روحك المتسخةَ بشهوة بابٍ 
بابٌ شاهدَ اغتصاب جارتك لجسدك الأخضر؛
 تلك التي كنتَ تناديها أبلة سامية(1)
وحين خفتَ أن تكتشف أمُك الأمر
 باحت لها عيناك المرجفتان
وحلمك الذي كرمشتَه في صفيحةٍ صدئةٍ 
مقلوبةٍ على بسطة السلم
وصدّق على وجهِك المبتلِّ كفُ خالِك الملتحي 
سوف تواتيك الشجاعة 
ليرى "عمرو ناجي"(2) قصيدتك العمودية 
سيقول لولا كسور في القلب
وأخطاء روحية
لتعود على سحابةٍ من قلق، 
ثم تغيظ ظلك الممدودَ على حائط البيت 
تراه قطعةً من جمرٍ على رأس مكنسة ...
            * * *
على مائدةٍ تشبه ظهر أبيك المنحني
كنت تحصي خطاباتِ فتاتِك التي لم ترسلها، 
تستعيد معراجًا سابقًا على سلالم بيتها العالي، 
كأنك ملاكٌ 
تسلل في زحام المترو يخفي ريشه في جاكت قديم...
تعيد حفظ نشيدِك 
نشيدُك الذي ستتلوه على الإيشارب الذي يميزها عن سيمفونية " فان توتي"(3) 
تلك التي عَزَفَتْها ليلةَ بلوغِك الأربعين 
تحت قبة الأوبرا
كنت تحسب كم سيطول عمر أبيك القابع على كليمٍ مترب
يأكل سيجارته المحشوةَ بحشيشٍ مغربيٍ 
ورفاتِ بشار بن برد 
يخبط الراديو كي يستجيب الصوتُ البعيد 
كأنه ترتيلُ عاهرةٍ لم تنل أجرتها...
أو بكاءُ نبيٍ سِرِّيٍ 
فقد ذاكرته في محطة باص مهجورة
أو مطربٌ عاطفي 
تكسرت أسنانُه في مشاجرةٍ عابرة....
            * * *
على مائدةٍ تشبه ظهر أبيك المنحني
تضع مسودةَ ثورةٍ بطعم النعناع 
تصيغ قطعةً من السماء على شكل سجادةٍ لبلاط غرفتك البارد
وتغزل من فرو الليلِ شالًا لِطَيْفِ أمك قبل أن يأتي قبيل الفجر
ثم تجرب أن تكون شريرًا
تسير بموسٍ خبأتَه للحظةٍ مثيرة
 للانتقام من أستاذ العلوم الذي صفعك أمام حبيبتك
وتختلس لفتحة نَهْدَيْ ميس حنان(4) 
وهي تميل إليك لتمسح جبينك المضطرب 
تقص على فتاتك 
- التي سترسلُ إليك خطاباتٍ غراميةً – 
 في مدرج قاعات البحث عن شجاعتك في عربة الترحيلات 
حينما استقبلتَ ضرباتِ العساكر 
فلم تتوسل أكثر من خمس دقائقَ قبل أن تفقد الوعي...
تقص عليها شوفينية جسدِها التي سجلتَها على حوائط الحمامات
كي تقود منها مظاهرةَ احتجاجٍ 
تنتهي قبل أن تغلق الباب ...
تقف شامخًا وحدك آخرَ الليل
في محاولةٍ لفض اشتباكٍ بينك وبين بابك المتسخ
عن اتجاهِ وكيفيةِ أن تنحني 
كمائدةٍ تشبه ظهر أبيك...
_______________________
إبراهيم محمد إبراهيم
هوامش 
1- جارة قديمة في حي شعبي سكنت فيه
2- صديق وزميل دراسة أول من وجهني في كتابة الشعر
3- أوبرا إيطالية لموتسارت
4- إحدى مدرساتي في المرحلة الابتدائية

Post a Comment

أحدث أقدم