تخاريف الخريف:
درب العصاعيص
جمال مقار
كانت الشمس تشرق كعادتها السمجة كل صباح حتى تغرب أيضا كعادتها المرذولة كل غروب فيضيع اليوم بلا طائل؛ بينما كان سيد شلحتو يجذب أنفاسا من المعسل القص المكلل ببصمات من الحشيش المغربي ، همس في حماقة:
ـ ونعم الأنفاس يا ض يا شلحتو.
رمى رأسه للخلف وجعل يحملق في سقف الغرفة ، ويا للعجب العجاب في الأيام الهباب رأى فيلا ، فيل ليس كأي فيل بل هو فيل أصفر يبتسم له ابتسامة صفراء جعلت كل ما يحيط به في الغرفة أصفر ، حاول أن يبتعد ببصره لكن الفيل طارده وأخذ يرقص في أركان الغرفة ، عندها أدرك سيد شلحتو أن ما يراه ليس فيلا بل جنيا ، نهض عن جلسته المملة وراقب خيط الماء الذي انسل من بنطلون بيجامته وأدرك أنه فقد قدرته على التحكم في نفسه ، الأمر الذي استثار غيظه ، أخذ يقلب حتى وجد كتاب ( السحر والساحر من آخر الآخر ) لابن حلمزة الفارسي المتوفي من فترة ليست قصيرة ولا طويلة، وهو كتاب كان أبو سيد ( السيد / شلحتو من من فوقه لتحته ) وهو يلفظ أنفاسه قد أوصاه به إذا ما ضاقت به الدنيا، وما إن أمسك بالكتاب حتى سمع صوت المفتاح يدور في كالون باب غرفته التي تطل على بحيرة رشاح مدينة درب العصاعيص، توقف متوجسا ثم قرقعت من خلفه ضحكة داعرة ، رمى الكتاب على أرض الغرفة ، واستدار ، وجد أمامه لوله بيومي واقفة بقامتها الفارهة في ثياب فاضحة بينما أخفت معالم وجهها طبقات من الأصباغ حتى لم يبق واضح منه سوى خال الحسن الشيء الوحيد الذي يمكن لبوليس الآداب أن يميزها به، كانت تضع سيجار هافانا بطرف فمها ، انتزعته في لطف عُرف عنها وضربت صدرها بكف يدها وقالت له :
ـ يخيبك يا سيد ، ايه يا ض الميه اللي على بنطلونك ده ؟ أوعى تكون عملت بي بي؟
ارتبك سيد ، وقال لها :
ـ لا بي بي ولا حاجة ، أنا دلقت قزازة الويسكي على هدومي ، مش شامة؟
قالت له وهي تمط شفتها السفلى اشمئزازا :
ـ لا مش شامه غير قرف .
وإذ بخيط من الدخان ينسرب من الكتاب ويتشكل في هيئة جني مارد يقهقه ويملأ الدنيا صخبا ذلك ما جعل سيد شلحتو يضع يديه على أذنيه بينما خلعت لوله بيومي فردة حذائها المكعوب ، ولوحت بها في وجه الجني وقالت:
ـ وحياة أمك ما في غير فردة الجزمة ديه انسلها على صداغك يا دي الجني إن ما سكتش واتلميت
ثم أخرجت من بين ثدييها برقوقة فحصتها ولما وجدتها لم تنضج بعد وضعتها على مجرى العبيد وضغطت عليها فسقطت البرقوقة واختفت بين ضرعيها .
بينما كان الجني يشاهدها في دهشة ، ضحك ضحكة آخر مسخرة، فلوحت له لوله بفردة الحذاء وهي تغني :
ـ واله زمان يا سلاحي ، هاه .
عبس الجني وصمت وانتابه خوف شديد وجرى يختبئ خلف سيد وهو يقول بصوت مرتعش :
ـ مين الوليه ديه يا شلحتو يا حبيبي؟
قال سيد :
ـ ما تخافش كده ، د أنت طلعت جني عكروت صحيح .
ـ أنا حبيبك يا سيد ، وجايب لك وصفة من جبال الواق واق.
ـ وصفة أيه ؟
ـ الوصفة اللي حتخليك أكبر سفاح في تاريخ السفاحة أو بالانجليزي قاتل مسلسل .
قال له سيد شلحتو وهو يضحك :
ـ قاتل متسلسل يا غشيم .
ثم نطقها في انجليزية عرجاء ليبهر الجني :
ـ serial killer ( ثم واصل ) ها، فين الوصفة خللينا نقفل المليون نسخة يا بني ؟
ضرب الجني يده في مخلاته وأخرج ورقة صغيرة ، وأخذ يقرأ:
ـ كبشتين تراب فرن بلدي يضاف ليهم شوربة رجلين كتكوت يتيم وسحيق كبد هدهد أعور ، تقلب على نار هادئة عكس عقارب الساعة ( لاحظ أن التقليب في اتجاه عقارب الساعة يطيل عمر الضحية ) وبعد أن ينضج المزيج ويجف ويصبح مسحوق يحتفظ به في زجاجة محكمة الإغلاق ، ويضع منه مقدار رأس دبوس في فنجان قهوة الضحية( ثم تثاءب الجني ) وسأل هي الساعة كام دلوقت يا سيد ؟
ردت لوله
ـ أربعة الفجر يا حيلة أمك ، يللا غور في داهية .
خاف الجني جدا ، وصاح بصوت جبار:
ـ اربعة الفجر ! يا نهار اسود ، ده معاد خروج العفريت من المدرسة .
رمت لوله بنظرة تقدح نارا وهي تهمس :
ـ يا بن ال....
فزع الجنب وصرخ من الخوف :
ـ يا ماما .
واختفي بين طيات كتاب السحر والساحر .
بينما انصرف سيد شلحتو في تفكير عميق ، عندها أخرجت لوله ثمرة مانجو من صدرها، تفحصتها ، وقالت :
ـ ياه استوت ع الآخر .
ربتت على صدرها وقالت:
ـ موجات كهرومغنطيسية يا با، تقولش فرن ميكروويف.
وبدأت تأكل ، ثم مدت يدها لسيد وقالت:
ـ تاخد حتة يا ض يا سيد
أشاح بيده وقال لها :
ـ احنا فيه ولا أيه يا شيخة؟
ـ ما لك يا ض مزاجك عكر كده؟
ـ احنا حنجيب كتكوت يتيم منين يا فالحة ؟
ضحكت لوله حتى شخرت شخرة فر من هولها مئة من إبل الشام ، وقالت له :
ـ أنت باين عليك حتبقى سفاح خايب، ده سهل جدا احنا نجيب فرخة وديك ، وبعد م الديك يكسر ع الفرخة وتبيض نقتل الاتنين وبعدين أخد البيضه وأحطها هنا ( أشارت لصدرها ) ولما تفقس الكتكوت حيطلع يتيم ، ها يتيم ولا مش يتيم ؟
ـ آه صحيح حيبقى يتيم، طيب يا فالحة والهدهد الأعور؟
ـ بص ما فيش حاجة في الدنيا ديه تستعصي على لوله يا حبيبي .
ـ أزاي ؟
ـ أنا عندي واحدة صاحبتي وحبيبتي عاشقها جاب لها بغبغان ، قام جوزها م الغيرة قتله ، والبنت خافت لعاشقها يزعل قامت استخبت في الجنينة ومسكت هدهد وحطته في القفص بدل البغبغان وعاشقها ولا أخد باله ، ده غير إن جوزها ما أخدتوش الغيرة م الهدهد.
ـ طيب ، وهي حترضى تديهولك؟
ـ لأ طبعا، احنا حنسرقه يا غشيم .
ـ وبعدين
ـ وبعدين نمسك الهدهد ونخلع له عين ونعوره .
نط سيد شلحتو من مكانه وقالها :
ـ هايله يا لوله ، هايله يا حبيبتي ، يللا بينا نخرج بسرعة ونفذ الخطة عشان أبقى أكبر سفاح في درب العصاعيص
( يخرجان ، إظلام تام )
إرسال تعليق