طبيعة الخطأ التراجيدي
في أوديب الملك
بقلم: سيد الوكيل
مدخل
لا يكون جديداً القول بأن كتاب " فن الشعر " هو المرجع الأول لكل دارس للمسرح حتي الآن ، فهذه حقيقة أكدتها كل المحاولات التي تناولت بالدرس أي موضوع يتعلق بالمسرح ، ولهذا فإن البدايات الأولي لا تختلف كثيراً فيما بينها ، حيث تستقي جميعاً لبنتها الأولي من نبع أرسطو الفياض .
ولم يكن هدف هذه المحاولات الخروج علي أرسطو بقدر ما هو تفسير له لتأكيد أصالته ، وثراء فكره ، اللهم إذا استثنينا النظريات الحديثة حول المسرح الملحمي المعروف بمسرح " بريخت " ، حيث تعتبر تمرداً علي سنن أرسطو المسرحية ، وثورة لم تؤكد أصالتها حتي الآن .
رغم ذلك يمكن القول بأن المسرح الملحمي " البريختي " لم يبتعد كثيراً عن المسرح الكلاسيكي الأرسطي بقدر ما يمكن القول أنه اختلف معه في تفسيره لبعض المفاهيم .
في الوقت الذي كان أرسطو يري المحافظة علي الجو المأساوي بحيث يشعر المشاهد بالتوحد مع أبطال المأساة حتي يتحقق له التطهير ، فإن بريخت يسقط الحائط الرابع ليوفر للمشاهد أقصي درجة من الوعي .
ولسنا هنا بصدد مقارنة بين أرسطو و بريخت غير أننا يهمنا أن ننبه أن الوقوف علي العتبات الأرسطية وقوفاً لا فرار منه في موضوع دراستنا ، حيث ورد لأول مرة مصطلح التحول في كتاب فن الشعر في معرض حديثه عن خصائص الفعل التراجيدي ، أو بالأحري عن الشروط التي يجب أن تتوفر لتغير مجري الفعل إلي عكس اتجاهه ، وهذا التحول يحدث بشروط :
1 ـ أن يكون التحول في حظّ بطل المأساة من حال السعادة إلي حال الشقاء وليس العكس . (1 )
2 ـ ينبغي ألا يكون هذا التحول نتيجة شر أو رذيلة ولكن بسبب خطأ ما أو سوء تقدير (2 )
ويحدد أرسطو صفات البطل الذي يتغير حظه نتيجة لخطأ أو سوء تقدير ، وتجيء هذه الصفات متساوقة تماماً مع ظروف خاصة تتفق وقاعدة الضرورة أو الحتمية ، بحيث تكون صفات هذه الشخصية متفقة مع الظروف التي تحيط بها .
وهذا يعني أن أرسطو جعل الخطأ التراجيدي جزءاً من مكونات وخصائص الشخصية ، جعله كامناً فيها بحيث يظهر عندما تحيط بها ظروف خاصة .
ويكون ظهور هذا الخطأ نتيجة حتمية يترتب عليها نتيجة أخري هي هذا التحول الذي يحدث في الفعل بحيث يجعله فعلاً مأساوياً بالتحول من حال السعادة إلي حال الشقاء .
ولقد اعتمد أرسطو علي أوديب الملك في وضع قواعد وأسس فن كتابة العمل المسرحي ، فقد اعتبر أوديب نموذجاً للشخصية التي تعبر عن هذا المضمون ، حيث تحيط به ظروف خاصة تدفعه بالضرورة إلي ارتكاب خطأ فاحشاً يتسبب في تحول حياته من رغد وسعادة إلي بؤس وشقاء بقتله لأبيه وزواجه من أمه ، ولهذا فإن اختيار " أوديب الملك " اختياراً دقيقاً للإلقاء الضوء علي مفهوم الخطأ التراجيدي ، وليس معني هذا أن المحاولة هنا تهدف إلي تأكيد الرأي الأرسطي بقدر ما تهدف إلي مناقشة المصطلح من خلال تطبيقه علي هذه المسرحية .
وقد وقفت علي بعض المحاور التي أري أنها ترتبط بالخطأ التراجيدي :
1 ـ صفات وخصائص البطل التراجيدي .
2 ـ الظروف التي تحيط بالبطل التراجيدي .
3 ـ داعية الألم .
4 ـ الأخلاق .
صفات وخصائص البطل
حين ننظر إلي صفات البطل في هذا العمل نجد أنفسنا أمام بطل يرتكب خطأ كان من المستحيل تجنبه نظراً لأسباب خارجة عن إرادته . وهي أسباب ترتبط بخصائص البطل ومكوناته الشخصية ، وظروف الفعل التراجيدي ، فقد ظهر بطلنا منذ البداية وبه ميل إلي فعل الخطأ حتي ليصبح خصيصة من خصائص شخصيته (3)
وهذا يعني ( ولا شك أن الاهتداء إلي تأويل معين لهذا المصطلح ، يقود بالضرورة إلي تحديد مفهوم أحد مقومات الشخصية التراجيدية ) (4 ) .
ويقول الدكتور غنيمي هلال ( ولداعية الألم صلة بمفهوم الخطأ ، أو ما يسمي باليونانية ( هامارثيا ) ولهذا الخطأ صلة وثيقة بمعني الخلق عند أرسطو ) (5 ) .
ولهذا فإن وقوفنا علي المحاور الأربعة السابق ذكرها ـ هذا الذي تؤكده الشواهد ـ يُعد أقرب الطرق إلي إلقاء الضوء علي المصطلح .
خصائص البطولة
1 ـ البطل شخص يشبهنا جميعاً ـ أي أنه بشر ـ لكن يكاد يقترب من الدرجة القصوي للفضيلة والعدل وإن لم يصل إليها بعد .
2 ـ الخطأ ليس بسبب رذيلة أو شر فهو إذن خالياً منهما .
نحن إذن أمام صفات تكاد تقترب من الكمال تذكرنا بالكمال الإلهي في النظرة الأرسطية أو بالمثال الأفلاطوني .
يقول الدكتور أحمد عتمان ( أبطال هوميروس في الواقع ليسوا بشراً عاديين تماماً ، كما أنهم ليسوا من الآلهة ، ولكنهم يتحركون في المنطقة الوسطي الواقعة بين الآدمية والألوهية ) (6)
الشاعر الإغريقي كان يختار أبطاله من بين أبطال الأساطير ، وكان هوميروس يطلق عليهم ( أنصاف الآلهة ) ، أو( أقران الآلهة ) .
بيد أن البطل الهومري لابد أن يتمتع بصفات أخري مثل الكرم وحسن المعاشرة والإخلاص ، أما شهية التمتع بالحياة وملذاتها فهي توازي حبه للحرب والنزاع .
( يتمتع أبطال هوميروس بحد الانفعال حباً وكرهاً ، عطفاً وحناناً ، غضباً وانتقاماً ) (7)
نحن إذن أمام خلط متناقض بين الصفات تجتمع في شخصية واحدة وبقدر ما تكون هذه الشخصية عظيمة تكون صفاتها عظيمة فهي شخصية لا تعرف الوسط ولا المواربة بل شديدة الحدة في كل جوانبها .
التطبيق علي أوديب
فأوديب بن لايوس بن لابداكوس بن بولودوروس بن كادموس بن أجنور فهو ملك من نسل ملوك عظام ولهذا فهو منذ مولده تعامله الآلهة علي هذا الأساس فيتعرض لحسد الآلهة AGAMAI فتضع العراقيل في طريقه ، وأول هذه العراقيل النبوءة التي أدت إلي انتزاعه من بين أحضان والديه وإلقائه فوق جبل " كاثيرون" ليبدأ رحلة العذاب .
إذن اللعنة الإلهية تحيق به منذ اللحظة الأولي لمولده ، ومن ثم فإن مصطلح التحول الذي تحدث عنه أرسطو في فن الشعر لم يتمثل بصورة واضحة في أوديب ملكاً حيث التحول يكون في تغير حظ البطل من حال السعادة إلي حال الشقاء ولكن أوديب يبدأ حياته بالشقاء فهل هناك أشقي ولا أشق من حرمان طفل من والديه وإلقائه فوق جبل .
ومن ناحية أخري نزع الطفل عقاب للوالدين فأي ذنب ارتكبه الوالدان ليستحقا عقاب الآلهة ؟ إن الاستمرار علي هذا النحو يكشف لعنة متوارثة ، وكأن العظماء يتوارثون لعنات الآلهة كما يتوارثون العظمة ، وكأن الآلهة تترصد العظماء أينما كانوا .
لم يكن أوديب يوماً من عامة الشعب فحتي حين تمّ استبعاده عن والديه تربي في حضن ملك آخر وحين عاد إلي طيبة عاد ملكاً وتزوج من ملكة فهو ملك من نسل ملوك أو أنصاف الآلهة كما يسميهم هوميروس . إذن صفات البطل التراجيدي الهومري تنطبق علي أوديب
( فالاعتقاد الإغريقي بأن الملوك هم أقرب البشر إلي الآلهة ولكنهم أيضاً عليهم ألا يتخطوا حدود بشريتهم وألا ينسوا أنهم بشر تميزوا عن سائر البشر ، ولكن بشريتهم هذه هي نقطة الضعف فيهم التي تتجلي في طموحهم إلي الإلوهية )(8)
ولقد حرص سوفوكليس علي تأكيد هذه العقيدة بخلاف أبطال هوميروس الذين يتخطون بشريتهم ويحاربون الآلهة وينتصرون عليهم أحياناً .
ولهذا فإن سوفوكليس يبرز الجوانب الشخصية والإنسانية في" أوديب ملكاً " مؤكداً علي هذا الطموح البشري وهذا الغرور الذي يقود صاحبه إلي التهلكة عندما يتوهم أن عظمته تؤهله لبلوغ الخلود الإلهي ، فأوديب لا يتورع عن قبول كل التحديات التي يعرف جيداً أنها ضريبة العظمة التي ينشدها ، ويسعي إليها .
وأول هذه التحديات تحديده لقدره فهو يترك كورنثة حتي لا تتحقق نبوءة أبوللون ، ثم يلتقي بالهولة ويقبل التحدي ويحقق نصراً مؤزراً في مجالي المعرفة والحرب ، وعندما تطيب له الحياة ويصبح ملك طيبة يجيئه العذاب بغتة ، ويقبل التحدي مرة ثانية و يتولي بنفسه التحقيق ليحل لغز مقتل لايوس ، إنه يمارس هذه اللعبة بمهارة فائقة ، ألم يفعلها من قبل ويتفوق علي الهولة ؟
إنه يعرف جيداً الدور الذي يلعبه ليحقق مزيداً من العظمة والتحدي .
في حواره مع تريزياس يبدأ كلامه بثناء ولكن حين ير فض الإجابة عن أسئلته تنقلب المعاملة ونري أنه سريع الغضب الذي يعميه عما يحمله كلام العراف من تلميحات وتحذيرات ، ثم يتهمه أنه تآمر علي قتل لايوس هو و كريون ويبدأ في السخرية من العراف ومهاجمته الذي يلقي بين يديه بالتلميحات والألغاز ولكن ا لغضب يعميه عن فك شفرتها .
لقد رسم سوفوكليس شخصية أوديب رسماً يليق بهذه المكانة التي يتمتع بها أبطال هوميروس ( أنصاف الآلهة ) ولئن كانت ميادين القتال هي تلك الميادين التي تظهر فيها براعة البطل الهومري ، فإن ميادين سوفوكليس هي الطبيعة البشرية نفسها بكل ما تحمله من متناقضات ، ولقد كان ميدان المهارة الإنسانية هو الميدان الحقيقي لأوديب الملك الذي ينشد مكانة يعرف أنها لا تمنح إلا لمن يستحق وهو لا يألو جهداً لنيلها ، فهو فضلاً عن كونه محاربا ً شجاعاً يتمتع بمهارة فائقة علي حل المشكلات وإدارة شئون بلاده باقتدار وبراعة فهو أيضاً مخلص لهذا الشعب الطيب ولا يتخلي عنه في محنته ولا يُقصّر في إسعاده ورفع البلاء عنه حتي لو كلفه ذلك هلاكه .
إنه نموذج رائع لحاكم عظيم لا يتخلّي عن شعبه ولكنه لا يخلو من ضعف البشر فسرعة الغضب والاعتداد بالنفس وحدة الطباع إلي جانب حبه للعظمة والطموح الشديد كل ذلك أدي إلي سقطته التراجيدية يقول في صرخته التي صرخها ضد تريزياس : ( أيتها الثروة ، أيها السلطان ، أيتها البراعة الفنية ، إنك مصدر حسد لذلك الذي يرفعه الناس جميعاً ) (9).
إن إنساناً كهذا كفيل بأن يقع في الأخطاء ولا تشفع له حسن النية ونبل الهدف .
بعد مجيء الرسول وإخباره بموت أبيه يفرح أوديب بعدم تحقق النبوءة ويسخر من نبوءات معبد دلفي ويصفها الساذجة والكاذبة ولكنه يعود ليتذكر باقي النبوءة فيعود للخوف من جديد
( ولكن مادامت أمي تعيش حتي اليوم فأنا مضطر للخوف اضطراراً رغم ما تقولين من حق ) (10) .
إن هذه الإجابة علي تساؤلات يوكاستا يضع علامة استفهام فما الذي يضطره إلي الخوف اضطراراً وكأنه مسوق إلي ذلك بقوي خارجة عن إرادته ؟
ويلمح " فرجسون " بإجابة ليست شافية تماماً ولكنها تلقي ضوءاً علي التساؤل ، قارن بين سوفوكليس ويوربيدس فقال ( علي الرغم من أن سوفوكليس لم يكن يستخدم الأساطير والطقوس الشعائرية بقصد المحاكاة الساخرة والتهكم علي التراث القديم ، فإنه لا يبدو عليه مطلقاً أنه أكثر سذاجة من نظيره يوربيدز في الإيمان بصحتها إيماناً حرفياً ) (11)
فأوديب سوفوكليس لم يكن يخاف من مواجهة الآلهة ولا الظواهر الخارقة ، ولكنه مع ذلك لا يأمن من جانب هذه الآلهة ولا يطمئن كل الاطمئنان لمقدراتها ، فهو يقع بين مرتبة وسطي بين الإيمان الكامل بالآلهة ومقدراتها وبين الشك فيها . ول كنه في كثير من الأحيان نراه أقرب إلي هذا الشك منه إلي الإيمان . إنه يشك في قدرة العراف " صنو الآلهة " يقول مخاطباً تريزياس ( إنك تعيش قفي ظلام حالك لذلك لن تستطيع أن تصيبني بأذي ولن تصيب غيري ممن يبصرون ) .(12)
الاعتداد والثقة بالنفس يجعلانه يتعالي بهما فوق رسول الآلهة . إنه يبدو محتداً علي الكهانة وساخراً من معابد الآلهة غير واثق في قدراتها . إنه يلجأ إليها أحياناً ولكنه لجوء العاجز وليس لجوء المؤمن ، لذلك فهو دائم الشك وهذا يأتي في مواجهة موقف كريون المؤمن .
إن أخلاق أوديب وطباعه ليسا فقط هما سبب آلامه ولكنه مسوق إلي مواجهة مصيره وواقع تحت قوي أقوي منه خارجة عن إرادته .
وكأن سوفوكليس يقدم موعظة لجمهور طيبة ، إن هذا بطل عظيم لا تغنيه بطولته ولا عظمته عن الوقوع في الخطأ والذلل لأن الأمر بيد الآلهة والإنسان مهما حاول لن يستطيع تغيير مصيره ولكنه كإنسان يجب أن يحاول تغيير هذا المصير ويكفيه شرف المحاولة فبطل سوفوكليس لديه إرادة إنسانية وإن كانت غير كافية لتغيير الأقدار .
نعود إلي حقيقة الأخلاق في خطأ أوديب أقررنا من قبل أن خطأه به قدر من القدرية والمقدر ولكنه لا يخلو من المسئولية تماماً فصفاته النفسية والخلقية التي تحدثنا عنها قبلاً ومن بينها سرعة الغضب ورد الفعل المبالغ فيه دفعانه إلي قتل لايوس فهل يكفي أن لايوس ضربه بعصاه وتحرش به هو وجنوده حتي يتسرع ويقتله أوديب وكل من كان معه ؟ إذ دعونا نتساءل كيف يقتل رجلاً شيخاً لمجرد أنه تحرش به .
ومع ذلك لا نستطيع أن نقول أن سبب سقطة أوديب وانهياره ليس تسرعه واندفاعه فقط وليس لعيب بارز فيه ، بل هو واقع تحت تأثير اللعنة المتوارثة إذن خلقه لم يكن العامل الحاسم في تقرير مصيره .
نأتي إلي الحدث الآخر الأليم في حياته ألا وهو زواجه من أمه ، إذ كيف تخضع هذه الجريمة البشعة لعامل النقص الخلقي ؟ فليس في المسرحية ثمة ما يشير إلي أن أوديب ساهم بأي حماقة أو رذيلة من أجل الاقتران بجيوكاستا ، بل علي العكس تماماً فلقد كان الزواج مكافأة له علي إنقاذه المدينة والقضاء علي الهولة ، فهو نوع من التشريف لأوديب علي عمل عظيم أداه للناس ، كما أن الزواج بدا كما لو كان شرعياً فليس في نية أحدهما أن تكون العلاقة بينهما آثمة ، ولئن كان الكاتب أغفل الجانب العاطفي والعائلي في حياة بطله التراجيدي إلا أنه في نهاية المسرحية يبدو أوديب كأب رحيم رءوف بأبنائه وبناته .
إننا للوهلة الأولى وبلا جهد نستطيع أن نقول أن أوديب كان ضحية الظروف تماماً بشأن زواجه من أمه ، إذ أن عنصر الجهالة هنا يلعب دوره علي أكمل وجه ويساهم بقدر كبير في ارتكاب جريمة بشعة تقشعر لها الأبدان ولقد يتفق المفهوم الأرسطي مع هذه النظرة إذ أن الفضيلة علم و الرذيلة جهل فالرذائل ناشئة عن جهل الإنسان بحقيقة أعماله .
فهل يمكن أن نبرئ أوديب تماماً من تهمة زواجه من أمه ونلقيها علي الأقدار ؟
يمكن لنا أن نطمئن تماماً إلي هذه النتيجة ونخلد للراحة ،ولكن هناك ما يقض مضاجعنا ويوقظ ضمائرنا إذ يقول الدكتور أحمد عتمان في حديثه عن ظروف مقتل لايوس في مقارنة بين لأوديب توفيق الحكيم وأديب سوفوكليس ( وإن يقع توفيق الحكيم في شيء من التناقض فهذا وارد لأن هذه المسألة ملتبسة حتي عند سوفوكليس فهناك أيضاً يظل أوديب طوال تلك الأعوام دون أن يعرف شيئاً عن ظروف مقتل سلفه لايوس و لا يحاول حتي مساءلة زوجته الحالية عن زوجها ا لسابق ، ولا يبذل أي جهد في سبيل التحقق من ملابسات هذا الحادث وهو الذي قطع السنين الطوال وآلاف الأميال من كورنثة إلي دلفي ، ثم إلي طيبة باحثاً عن الحقيقة ) (13)
وكأن الدكتور عتمان لا يخلي ساحة أوديب ولا يبرئه تماماً إذ كان عليه وهو الذي يهيم بالحقيقة أن يحقق في ظروف مقتل لايوس وألا يظل سنوات زواجه لا يعرف شيئاً عن حقيقة سلفه ملكاً وزوجا ً .
وقد نعثر علي مبرر فني لهذا التجاوز من جانب سوفوكليس إذ أن البناء الدرامي يرتكز علي إحاطة حادث مقتل لايوس بنوع من الغموض لا يفضه إلا أوديب نفسه عندما دعت الضرورة إلي ذلك ، أي عندما وجد أوديب نفسه مضطراً للبحث عن القاتل لإنقاذ المدينة من الوباء الذي أصيبت به نتيجة لوجود خاطئ كبير يحيا فيها .
إذن هذا الغموض الذي أحاط به سوفوكليس ظروف مقتل لايوس مبرراً فنياً ومقصوداً لزيادة حدة الإقناع التراجيدي .
في النهاية نجد سوفوكليس أعطي للبطل التراجيدي بعداً إنسانياً يختلف عن أبطال هوميروس الذين يتحدون الآلهة بشكل مطلق وعن بطل اسخيلوس الذي يسعي إلي قدره بشكل مطلق ، فقد وضع فيه جانباً إنسانياً يستطيع أن يغير قدره ، أو فلنقل يحاول أن يغير قدره وإن تغلبت إرادة الآلهة عليه .
سوفوكليس يقف في منطقة وسط بين إيمان اسخيلوس التام بالآلهة وقدريته المفرطة وبين تمرد يوربيدس وبشريته المفرطة أيضاً .
قائمة المراجع والفهرس
(1) فن الشعر : ترجمة إبراهيم حمادة ـ ص 122 .
(2) المصدر نفسه ص 132 .
(3) المصدر نفسه .
(4) النقد الأدبي الحديث . د. محمد غنيمي هلال ص 71 .
(5) المصدر نفسه .
(6) الشعر الإغريقي تراثاً إنسانياً وعالمياً ـ د. أحمد عتمان ـ ص 45 .
(7) المصدر نفسه .
(8) المصدر نفسه .
(9) سوفوكليس ـ أوديب ملكاً ـ ترجمة د. صقر خفاجة
( 10 ) المصدر السابق نفسه .
(11 ) فرجسون ـ فكرة المسرح .
(12 ) سوفوكليس ـ أوديب ملكاً ـ ترجمة د. صقر خفاجة .
( 13 ) الشعر الإغريقي تراثاً إنسانياً ـ د. أحمد عتمان .
إرسال تعليق