طاهر أبو فاشا ( راهب الليل)

1908ـ 1989

بحث وإعداد: سيد الوكيل

 

شاعر ومؤلف درامي، لقب براهب الليل نسبة إلى ديوانه الأشهر.

ولد في  22 ديسمبر بمدينة دمياط ، وتوفي في القاهرة 12 مايو 1989 م. 

بدأ تعليمه الأولي بالمدارس الابتدائية، فدخل مدرسة ( الحمزاوى) ببلدته، ثم تحول إلى معهد دمياط الديني، وبعد حصوله على الابتدائية انتقل إلى معهد الزقازيق الديني وحصل فيه على الشهادة الثانوية الأزهرية، بعد ذلك لنتقل إلى القاهرة والتحق بكلية دار العلوم وتخرج فيها عام 1939م وكان ترتيبه الثاني على دفعته.

عمل مدرسا بمدرسة (عنيبة ) التابعة لمركز ( الزرقا ) بمدينة دمياط، ثم انتقل للعمل بإحدي مدارس الواحات الخارجة، وظل يتنقل في وظيفته بين بعض محافظات مصر لمدة، حتى قطع عمله بالتدريس وانتقل إلى القاهرة، وفيها التحق بإحدى الفرق الفنية وراح يؤلف التمثيليات، كما كان يكتب لبعض الصحف اشعاراً وأزجالاً.

تصادف أنه كان بصحبة إحدى الفرق التمثيلية التى زارت مدينة الزقازيق، وهناك ألقى قصيدة في حضرة إبراهيم الدسوقي أباظة ( باشا ) الذي كان وزيرا للأوقاف، فاسترعى انتباهه وتولى رعايته الأدبية، كما أقنعه بالعودة إلى التدريس، فعاد مدرساً بمدرسة دمياط الابتدائية الأميرية، ثم ترقى مدرساً بمدرسة المعلمين بسوهاج، ثم عينه إبراهيم الدسوقي باشا سكرتيراً برلمانياً في وزارة الأوقاف عندما كان وزيراً لها. فلما نقل ( الدسوقي) وزيراً للمواصلات نقله معه، وعينه وكيلاً لمكتب بريد العباسية، فرئيساً للمراجعة العامة ثم استقر في وظيفة رئيس لقسم التأليف والنشر بإدارة الشئون العامة للقوات المسلحة وبقى فيها حتى بلغ سن المعاش.

وجد طريقه إلى العديد من النوادي والمجالس الأدبية، ومنها ندوة القاياتي التي كانت تضم جمهرة كبيرة من أعيان الأدباء من أمثال حافظ إبراهيم وعبد العزيز البشري وكامل كيلاني وزكي مبارك. كما انضم إلى جماعة أدباء العروبة، ومن خلال هذه الجماعات بزغ اسمه شاعراً ومؤلفاً درامياً.

الإنتاج الشعري:
 صدر له الدواوين التالية:

1ـ «صورة الشباب» - (تقديم محمد غلاب) - مطبعة الفتوح - القاهرة 1932،

2ـ «القيثارة السارية» - بتقديم الشاعر - المطبعة المصرية الأهلية الحديثة - القاهرة 1934.

3ـ «الأشواك»: (بتقديم الشاعر خليل مطران) القاهرة ـ 1938،

4 ـ «راهب الليل» دار الشروق – القاهرة ـ 1983.

5 ـ « الليالي» الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة ـ 1987.

6 ـ «دموع لا تجف» الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة ـ 1987.

وقد صدرت «الأعمال الكاملة»،  بعد رحيله (بتقديم الكاتب ثروت أباظه) مكتبة الملك فيصل ـ الجيزة ـ 1992.

بالإضافة إلى قصائد أخرى في بطون الدوريات والصحف لم يجمعها الشاعر, وجمعها الباحث عزت محمود علي الدين في رسالته للماجستير (طاهر أبوفاشا شاعراً) وهى مودعة بمكتبة كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر،  كما جمعت أعماله بعد ذلك في الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر.

له عدة مؤلفات في موضوعات مختلفة منها:

ـ " أيام وأحداث" ـ 1958.

ـ "عشرون يومًا في روما" – 1958.

ـ " الجمهورية العربية المتحدة " – 1958.

ـ " في معركة المصير العربي " – 1963.

ـ  " قصة الســـد العالـــي " - (د. ت).

ـ " الجلاء مــن الألف إلى الياء" - (د.ت).

 ـ " قصة ميناء دمياط " - (د. ت).

ـ " العشق الإلهي " - سلسلة اقرأ - دار المعارف – القاهرة.

ـ " الذين أدركتهم حرفة الأدب" - دار الشروق - القاهرة ـ1981.

- " هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف " - الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة ـ 1987.

 ـ " وراء تمثال الحرية" - دار المعارف - القاهرة 1987.

ـ كما حقق كتاباً عن ( مقامات بيرم التونسي )، صدر عن مكتبة مدبولي - القاهرة ـ 1973.

ـ كما كان ينشر مقالاته الأسبوعية في جريدة محلية هي ( أخبار دمياط ) منذ صدور العدد الأول منها عام 1949 وحتى وفاته.

كتب لللإذعة العديد من البرامج والتمثليات وقد بلغت أعماله الإذاعية أكثر من مئتي عمل، تنوعت في موضوعاتها التاريخية والاجتماعية والدينية، وقد ارتبط اسمه بالرنامج الدرامي الشهير ( ألف ليلة وليلة ) الذي كانت الإذاعة المصرية المصرية تقدمه طوال شهر رمضان وعلى مدى ست وعشرين عاما ، قدم خلالها ثمانمائة حلقة، وعلى غرارها ألف مسلسلاً بعنوان ( ألف يوم ويوم) كتب فيه ستمائة حلقة، كما كتب العديد من الصور الفكاهية والغنائية وبرامج التسلية منها: (  فوازير رمضان ـ  ركن الريف ـ الأسرة السعيدة ـ أعياد الحصاد ـ  أفراح النيل ـ أصل الحكاية ـ الشيخ مجاهد ـ شهداء القنال).

كتب عدداً من الأغاني التى لحنت وغناها كبار المطربين، وقد ارتبطت هذه الأغاني بالمناسبات الدينية والوطنية، من بينها أغنيتي: ( نشيد الجيش ـ ونشيد الطيران  ) وقد غنتهما أم كلثوم، كما غنت له ـ أيضا ـ اغاني فيلم رابعة العدوية، وهى :

عرفت الهوى من ألحان رياض السنباطي

على عيني من ألحان رياض السنباطي

حانت الأقدار، من ألحان محمد الموجي

لغيرك مامددت يدا، من ألحان كمال الطويل

قراءة في إنتاجه:

على الرغم من شهرته بلقب ( راهب الليل )، وهوعنوان ديوانه الشعري الأبرز بين أعماله ، إلا أن الناس عرفته من خلال برامجه وتمثلياته التى كتبها لللإذاعة، فعلى مدار ستة وعشرين عاما، كان الناس يتجمعون حول أجهزة المذياع بعد إفطار رمضان، فى انتظار صوت المذيع معلناً عن حلقة جديدة من ( الف ليلية وليلة ) تأليف طاهر أبو فاشا، وإخراج محمد محمود شعبان.

 ربما كانت ألف ليلة هى الأبرز بين أعماله الإذاعية، غير أنه قدم للإذاعة أكثر من مئتي عمل، اسهمت في تشكيل وإثراء وجدان المستمع العربي على نحو واسع ومتنوع، بين الكلمة الراقية والفكرة العميقة والأسلوب السلس، وهو يلامس اطرافاً بين الماضي والحاضر، بين الخيال المحلق والواقع الاجتماعي، بين الوجدانية الصوفية العذبة والفكاهة والطرب الأصيل، إلي الوطنية الواعية بدورها في تنوير وتحرير وعى الشعوب. هكذا كانت أعماله الإذاعية هى الأكثر تأثيراً وشهرة بين الناس نظراً للانتشار الواسع والتنوع الفني الذي تقوم عليه الدراما الإذاعية.

غير أن ( المترجم) قدم نفسه للحياة العامة شاعراً لا درامياً، فعندما قد ديوانه الأول ( صورة الشباب ) كان في مقتبل العشرين  من عمره، فجاء ديوانه الأول مفعماً بحيوية الشباب وعكس طاقة جامحة من التعبير الرومانسي، متأثراً بكبار شعراء ( أبولّو) ولاسيما على محمود طه، فقد سمى ( المترجم ) إحدى قصائده ( ميلاد شاعر ) تيمنا بقصيدة أستاذه الشهيرة، غير أنه لم يعارضه. امتلك نزعة تجديدية ، استطاع بها الموازنة بين خصائص المدرستين اللتان كانتا تتنازعان مملكة الشعر آنذاك ( الديوان ـ أبولًو). فعلىالرغم من انشغاله بنسج الصور الخيالية التى تلامس أوتار المشاعر الإنسانية برقة ورهافة، واختياره لنماذج متفردة لتكون موضوعا لشعره،وعلى الرغم من شيوع العجم الرومانسي في مفرداته وصوره وتراكيبه، إلا أنه جمع إلى ذلك بعض من سمات ( الديوان) ، إذ اهتم بأناقة اللغة، وعمق الفكرة، وتجلت النزعة التأملية التحليلية في كثير من قصائده ولاسيما ديوان الأشهر ( راهب الليل). كمانجد آثاراً إحيائية فيى تجربته ، تتجلى في حرصة على فصاحة اللغة وقوة جرسها كما يتجلى في بعض صورة التى تحمل تداعيات القصيدة العربية القديمة حيث الأطلال والبيد الجدب، وعلى الإجمال فشعريته متعددة في مشاربها قلقة في مصباتها،على نحوما وصفهالشاعر فاروق شوشة:"  أشعاره تحمل توهج روحه وقلقها بحثا عن الجديد والمختلف، وفي معجمه الشعري خلاصة ثقافته التراثية الراسخة المتكئة على جذور قوية وانفتاح على الثقافة العصرية بكل أبعادها القومية والعالمية ".

 والأبيات التالية تجسد طبيعة هذا التركيب الخاص في شعره بين الاتجاهات والمدارس المختلفة، كأنه ملاح حائر بين  بحور الشعر وتياراته، حتى أنه خاض قصيدة التفعلية عندما بزغ فجرها عند نازك الملائكة والبياتى وصلاح عبد الصبور وغيرهم. يقول في قصيدة مهداة إلى الملاح التائه ( على محمود طه ) :

إلى مثلـها تصبـو عـذارى الخواطـر ** وفي يومه تصحـو سكارى المزاهر
وفي كل همس حـول معناه ضجـة ** وفي كل معنى منـه صرخـة ثـائر
ألم على الأيـام يسقي جـديبهـا ** ويبني جـديداً فـوق أطلال داثر
هو الشعر ما غنى ربيع وما بكى ** خريف، وما اخضلت عيون الأزاهر
تـراتيل أنسـام، وتسبيح جدول ** وأنة مـوجـوع، ومصبـاح حـائر

 

يعد ( المترجم ) واحدًا من شعراء قلائل خصوا زوجاتهم بديوان كامل يضم رثاءهم لها، وهو آخر دواوينه: " دموع لا تجف ".
غير ان الصورة لاتكتمل عن شعريته إلا بالنظر إلى أغانيه، التى كشفت عن البعد الصوفي والنزعة الروحانية، ولا سيما في الأغاني التى كتبها للدراما الدينية ( رابعة العدوية ) وقدمت في الإذاعة والسينما وقام على تلحينها كبار ملحنى عصره وغنتها أم كلثوم.

أما البعد الأخير في تجربته الفنية إلى جانب الشعر والتأليف الدرامي، فكان اشتغاله على تأليف الكتب التاريخية والأدبية ، وهى أيضا كشعره ، لم تحظ بنصيب من الشهرة كالذي حظي به إنتاجه المسوع دراميا وغنائيا. كما أنها جسدت نزوعاته الوطنية والدينية والفنية معا، ويعتبر تحقيقة لكتاب :" هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف) مرجعا هاماً للدراسين في آداب العامية المصرية شعرا ونثرا،وهو يجسد إلى جانب ذلك نمط الشخصية المصرية تحت الاحتلال لتركي ويعكس صورة دقيقة عن حياة الفلاحين وهمومهم وثقافتهم وتركيبهم النفسي جراء المظالم والمكائد التى عانوها على مر العصور والحكام.

ترك المترجم أثرا كبيرا في مجال الدراما الإذاعية،ولاسيما ( ألف ليلة ولية ) التى مازالت تداعب ذاكرة من عاشوا هذه المرحلة بسحرها الخاص الذي جمع بين الأصالة والمعاصرة، وحق الطموحات الفنية والجمالية إلى جانب النزوعات الوطنية فأطلق عليها الناس: الزمن الجميل، وحيث كان المترجم واحداً من أبرز شخصيات هذا الزمن.

 ـ حصل جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1988.

 

المراجع والمصادر:

1ـ ثروت أباظة : مقدمة الأعمال الكاملة للمترجم ـ مكتبة الملك فيصل – الجيزة ـ 1992.
2ـ طاهر أبو فاشا: تحقيق كتاب ( هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف ) ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ 1987.

3- عبدالله عبدالحليم: طاهر أبو فاشا - حياته وشعره - رسالة ماجستير - كلية دار العلوم - جامعة القاهرة 1993.
4 - عزت عبدالرحمن: طاهر أبو فاشا شاعرًا - رسالة ماجستير - كلية اللغة العربية - جامعة الأزهر (د.ت).
5- فاروق شوشة: مقال بمجلة الشعر - يوليو 1989.


Post a Comment

أحدث أقدم