أبو خليل
القباني
"1842ـ
1902م"
بحث وإعداد: سيد الوكيل
أحمد أبو خليل بن محمد آغا بن حسين آقبيق.
ولد في دمشق، أختلف في تاريخ
مولده، مابين عامي 1941 ـ 1842م. كما أختلف في تاريخ وفاته(*).
نشأته:
تحدر في نسبه من أسرة دمشقية
عريقة، إذ كان أحد أجداده ( شادي بك أقبيق) الذي بنى مدرسة الشابكية للعلوم
الدينية بدمشق، ولقب بالقباني لأنه كان يمتلك قباناً في منطقة باب الجابية، ويعتقد
أنه من أصول تركية، فيرجع نسبه إلى أكرم باشا آقبيك الذي كان يارواً للسلطان
سليمان القانوني .
تلقى علومه الأولى في كتّاب
الحي، فحفظ القرآن الكريم، ثم انتقل إلى الجامع الأموي فدرس علوم الدين واللغة
وحفظ الشعر واطلع على فنون الأدب العربي. وكان يجيد التركية ملماً بثقافتها
ومطلعاً على مايدور فيها من حراك مسرحي ولاسيما ما قدمه (خوجة نعوم).
منذ طفولته أظهر شغفاً
بالغناء والموسيقى، فتتبع رواة السير والملاحم وفتن بالوشاحين والمنشدين وألم
بالقصص والأخبار، فأثر كل هذا على تحصيله للدروس حتي شكاه معلموه إلى والده، فلما
اشتد عوده طرده من المنزل فانتقل للعيش مع خاله ( أبو أسعد النشواتي) واشتغل معه
بالتجارة والقبانة لفترة تردد فيها على ملاعب الأراجوز وخيال الظل وارتاد مقاهي
الغناء وساحات السمر، كما تعلم الموسيقي والغناء، ورقص السماح.
حياته الفنية:
في عام (
1865م) كون القباني أول فرقة مسرحية له بمنطقة باب توما بدمشق، وقدم عروضاً أقرب
إلى الارتجال تعتمد على الغناء والرقص، ثم اتجه بمسرحه إلى ألف ليلة وليلة، كبيئة
ثقافية استقي منها مسرحياته، حتى لايبعد بمسرحه عن بيئة القُصاص التي كانت لها
جذورها في الأدب العربي، وفي التراث الشعبي التركي.
وكان أول عرض مسرحي خاص به في دمشق عام 1871م وهي مسرحية: ( الشيخ وضاح
ومصباح وقوت الأرواح). وحظى بتشجيع والي
دمشق ( مدحت باشا ) الذي
أنشأ للقباني مسرحاً خاصاً بفرقته في ( 1878م )، كما رتب له مبلغاً سنويا ( 900 ليرة
عثمانية). فتوسع القباني في فرقته وضم إليها عدداً من الفنانين منهم: إسكندر فرح وجورج
ميرزا وعمر وصفي وغيرهم ممن أصبحوا من مشاهير الفن بعد ذلك وحافظوا على الطابع
العربي للمسرح الذي أسسه أستاذهم. كما ضم ـ لأول مرة ـ بعض العناصر النسائية
مثل: لبيبة مانللى ومريم سماط.
في عام ( 1882م ) أغتيل مدحت باشا،
وخلفه حمدي باشا والياً على دمشق، وكان ضيق الأفق فتخلى عن دعم القباني وانتزع منه
المسرح، فباع القباني كل أملاكه وبنى لنفسه مسرحاً مستقلاً تكلف نحو 2000 ليرة
عثمانية، ثم كاد له نفر من المتشددين لدى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني،
واتهموه بإفساد أخلاق الفتيان والفتيات، فأصدر السلطان قراراً في (1883) بإغلاق المسرح،
واضطر القباني للتخلي عن فنه واعتزل الحياة الإجتماعية.
تصادف أن زار المطرب المصري
(عبده الحامولي) الشام، ولما علم بما حدث للقباني دعاه إلى مصر، فانتقل في أول
يونيو 1884م إلى مدينة الإسكندرية مع فرقته من الموسيقيين والمطربين والمشخصين.
نزل في ضيافة صديق له يدعى سعد الله بك حلايو، وكان أحد كبار تجار الشام
بالإسكندرية. وفى 23 يونيو 1884 نشرت جريدة الأهرام إعلاناً قالت فيه: " قدم
إلى ثغرنا من القطر السورى جوق من الممثلين للروايات العربية يدير
أعماله حضرة الفاضل الشيخ أبو خليل القبانى الدمشقي، الكاتب المشهور، والشاعر
المفلق، وقد التزم للعمل قهوة الدانوب المعروفة بقهوة سليمان بك رحمى في جوار شادر البطيخ
القديم، والجوق مؤلف من مهرة المتفننين في ضروب التمثيل وأساليبه وبينهم زمرة
المنشدين والمطربين تروق لسماعهم الآذان وتنشرح الصدور، فنحثُ أبناء الجنس العربى على
أن يتقدموا إلى عضد المشروع بما تعودوا من الغيرة .. والتمثيل سيبدأ به هذه
الليلة غرة رمضان المبارك عند الساعة الثامنة بعد الغروب (أى بعد الإفطار بساعتين)
وسيتتالى فى كل ليلة حتى نهاية الشهر.."
علي مسرح
الدانوب بالإسكندرية مثل القباني أول رواية ( مسرحية ) له فى مصر وهى (أنس
الجليس)، كما عرض على مسرح زيزنيا بالإسكندرية ـ أيضا ـ مسرحية (عنترة العبسي).
كانت
القاهرة هى المحطة التالية للقباني بمصر، وفيها استأجر مسرح ( البوليتياما) وعرض
عليه مسرحياته الغنائية التي كان يؤلفها ويلحنها ويمثلها حتى ذاع
صيته وتوسعت فرقته، فضمت إليها الكثير من أهل الفن والطرب من بينهم: ملكة سرور والثنائي
الشهير ألمظ وعبده الحمولى. وفي 13/1/1885 انتقل بفرقته إلى مسرح حديقة الأزبكية
وعرض عليها مسرحية ( ولادة بنت المستكفي) غير أنه طورد مرة أخري بالنقد المتشدد
والاتهام بإفساد الأخلاق، عندما نشرت جريدة الزمان عدة مقالات قالت فيها: " إن
مسرحه يجري على مايفسد الآداب ويهتك حرماتها". فأثر ذلك على إقبال الجمهور
مما اضطره للبحث عن جمهور جديد ظن أنه قد يكون موجوداً خارج القاهرة. فسافر لمدة
إلى دمشق، ثم عاد في أكتوبر 1985 إلى الإسكندرية وافتتح موسمه علي مسرح قهوة
الدانوب بمسرحية جديدة هي: ( مجنون ليلي).
وفي عام
1896 أنشأ القباني مسرحاً خاصاً به بمنطقة سوق الخضار بالعتبة الخضراء، شيده له
(عبد الرازق عنايت) المفتش بنظارة المعارف، عرفه الناس بمسرح القباني فيما أسماه
هو بالمسرح العربي، بما يدل علي وعيه بدوره التأسيسي لمسرح عربي، وكان المسرح
بناءً خشبياً بسيطاً أشبه بساحة شعبية، وكانت هذه المنطقة تعج بالمسارح والملاهي.
ومع تسيير خطوط ترام القاهرة إلى ميدان العتبة الخضراء(1896م) أصبح في متناول
الناس السهر والانتقال إلى المسارح والمقاهي والملاهي الليلية، وكان من أبرز هذه
المسارح التي يطلبها محبو الفنون وراغبو السمر هومسرح أبي خليل القباني. فلاقى
مسرحه اذدهاراً كبيراً في هذه الفترة.
غير أن
ظروفاً عديدة تكالبت عليه بعد ذلك، إذ اشتدت المنافسة بين الفرق المسرحية فأثر ذلك
على جمهوره، كما أن المطربة (ملكة سرور) خرجت من الفرقة، مما اضطر القباني للسفر
إلى دمشق بحثاً عن أخرى، ثم عاد بوجه جديد هى ( مريم مكنو) لكن جمهور القاهرة
قابلها بفتور.
تحايل
القباني على أزمته بأن اصطحب فرقته في جولات فنية بمحافظات مصر المختلفة، وترك
إدارة مسرحه لـ (عمر وصفي) الذى كان يؤجره لبعض الفرق الغنائية، و في مدينة
المنيا، وصلت فرقة القباني محطتها الأخيرة، حيث جاءها خبر احتراق مسرحها الكائن
بالعتبة الخضراء في ليلة الثامن عشر من مايو 1900. وعندما عادت الفرقة إلى
القاهرة، وجدت مسرحها كومة من رماد.
انحلت
الفرقة وتوزع أفرادها. ويروى أن القباني حزن حزناً شديداً لمّا علم بأن حريق مسرحه
مدبر من بعض أبناء بلده الذين رفضوه في دمشق ومازالوا يطاردونه حتي القاهرة، فساءت
صحته وتوقف عن التمثيل، كما أنه عاد إلى دمشق واعتزل الحياة الفنية وعاش ماتبقى من
عمره على معونة رتبتها له الهيئة الحاكمة في دمشق، ويذكر أنه قد بدأ في كتابة
مذكراته، لكنه توفى قبل أن ينجزها.
إنتاجه:
كان
القباني ( السوري) قد وضع بذور المسرح العربي فى أرض خصبة ( مصر ) التي عاش فيها (
16 سنة )، وقدم مع فرقته أكثر من أربعين عملاً مسرحياً، وشارك بالتمثيل والغناء في
( 31 عرضاً ) ألف منها ( 15 نصاً مسرحياً) هى على الترتيب الأبجدى:
( أسد
الشرى ـ الأمير محمود نجل شاه العجم ـ جميل وجميلة ـ حمزة المحتال ـ السلطان حسن ـ
الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح ـ عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة ـ عبد السلام ـ
عنتر بن شداد ( العبسي) ـ مجنون ليلى ـ ناكر الجميل ـ نفح الربى ـ هارون الرشيد مع
الأمير غانم بن أيوب وقوت القلوب ـ هارون الرشيد مع أنس الجليس ـ ولادة بنت
المستكفي أو عفة المحبين ).
كما ترجم
من المسرح العالمي: ( هرناني ـ الأفريقية ـ جنفياف ـ السيد ـ لورانزو ـ هوراس ـ كاترين
هوار ـ عايدة ). لكنه عمل على تطويعها لمناسبة الثقافة العربية. وشارك بالتمثيل في
أكثرها.
رؤية نقدية في إنتاجه:
ظلت البذرة
العربية لمسرحه تنمو بين تلاميذه وأحفاده، فحتى بعد رحيله ظل رفاق رحلته من أمثال:
إسكندر فرح وعمر وصفى يعملون فى مسارح مصر وعلى نهجه.
منذ البداية حدد القباني الملامح العربية
لمسرحه، فاستلهم من التاريخ والتراث الأدبي والشعبي، ولم يكن من قبيل المصادفة أن
أول عروضه التى ألفها ومثلها ولحن أغانيها بنفسه قد استلهما من ألف ليلة وليلة. ظل
على دأبه يمزج بين الحكاية الممثلة والغناء والرقص، ويوظف الشعر والموشحات فاستحق
أن يكون رائداً للمسرح العربي، أراد القباني أن يؤسس مسرحاً عربياً فصيحاً – يعرض من خلاله
موضوعات تراثية مشرقة، تحمل الكثير من سمات الثقافة العربية، ليواجه به العروض
المسرحية الأجنبية. فأسهم مع مثقفي ومفكري جيله في تأكيد تيار الإحياء والبعث
العربى الذي كان طابع الحراك الثقافي وقتها.
تأثيره في
المسرح:
وقد أينعت تجربته المسرحية ثمارها فيما بعد
وظهرت في أشكال مختلفة مثل: مسرح الساحة والحلقة ومسرح الحكواتي والسامر ومسرح
الفرجة الشعبية وغير ذلك من الأشكال والتجارب المسرحية ذات الطابع الشعبي والروح
العربي المستلهم من التراث على نحو مانجد عند: يوسف إدريس والفريد فرج وسعد الله
ونوس وصالح سعد على اختلاف طرائقم وتمايزاتهم .
وكان ( ونوس ) قد ألف نصا مسرحيا بعنوان ( سهرة
مع أبي خليل القباني 1973) مدمجاً فيه أحد نصوص القباني " هارون
الرشيد مع غانم بن أيوب وقوت القلوب" الذي استلهمه القباني من ألف ليلة
وليلة.
مراجع
*
وقد اعتمدنا ـ هنا ـ على ما ورد في كتاب ( تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع
عشر ) مطمئنين إلى دقة تحديد تاريخ وفاته في 19/12/1902 ، ومرجعه ماروته ( مريم
سماط ) إحدى بطلات فرقته في مذكراتها المنشورة بجريدة الأهرام. كما أن أكثر
المراجع ذكرت تاريخ مولده عام 1942.
1ـ أحمد
سمير بيبرس: المسرح العربي فى القرن التاسع عشرـ مكتبة سعيد رأفت ـ القاهرة ـ د.ت.
2ـ سيد على
إسماعيل: تاريخ المسرح في مصر ( القرن التاسع عشر ) ـ مكتبة الأسرة ـ القاهرة ـ
2005..
3ـ فاطمة موسى ( تحرير وإشراف ): قاموس المسرح ـ
الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ 1995.
4 ـ محمد
سيد كيلاني: ترام القاهرة ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ( سلسلة ذاكرة الوطن ) ـ
القاهرة ـ 2010.
5 ـ من
مسرح الشيخ أحمد أبو خليل القباني ـ مكتبة الأسرة ـ سلسلة المئويات ـ الهيئة
المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ 2005.
ـ
ويكيبديا، الموسوعة الحرة: http://ar.wikipedia.org/wiki/
ـ موقع القصة السورية: http://www.syrianstory.com/k-kabanny.htm
إرسال تعليق