تحولات الشعرية العربية

                                                        بقلم :سيد الوكيل

هل غادر الشعراء من متردم؟

هذا هو السؤال القديم الذي يحاول الدكتور صلاح فضل أن يجيب عليه إجابة جديدة ، وفق رؤية تاريخية للشعر العربي القديم ،أو لمدارسه ، ولتحولاته والظروف السياسية و الاجتماعية التي أثرت بدورها في تطور الشعر بدءاً من الإحياء واتجاهاتها من " محمود سامي البارودي "  إلى  (أحمد شوقي ) وانتهاء إلى كتاب القصيدة الجديدة المسماة بقصيدة النثر .

أي أن الدكتور صلاح فضل ، يقيّم في كتابه ( تحولات الشعرية العربية ) مقابلة بين ما هو تاريخي وما هو جمالي معاصر، ومن ثم انقسم كتابه إلى قسميين ينفصل كل منهما عن الآخر .

الأول ويطرح فيه المقدمة التاريخية، والثاني ويعرض فيه لتجارب ولشعراء يراهم شواهد ناجحة للتدليل علي حركة الشعر واتجاهاته .

وظني أن انفصال الجزئيين قلل من رصيد دقة الشواهد التطبيقية ، ولو أن الجدل ظل قائما بين ما هو تاريخي وما هو جمالي لكان ذلك أوقع وأفضل للقارئ، ولكي يتأكد من مطابقة الشواهد الشعرية لما يقابلها مع أفكار نظرية لتعكس في النهاية فكرة التحولات .

 

المفهوم النقدي للتحول الشعري، يقوم كاستجابة لتغيرات ثقافية ضخمة في المجتمع ، تصادف وجود شعراء من الوزن الثقيل أمثال (نازك الملائكة – صلاح عبد الصبور – أدونيس ) ممن لهم إسهام واضح في إحداث تحولات كبيرة في مفهوم الشعرية وجماليات الشعر، بل ويتجاوز ذلك إلى إحداث تغيرات كبيرة – أيضاً – في ذائقة القراء أو المتلقين أنفسهم ، لأن مفهوم التحول لا يتم إلا بقبول جمهور المتلقين للتجارب الجديدة، وبدون ذلك تظل اقصيدة الجديدة معزولة عن الناس، ومجرد مغامرات فردية تحدث كل يوم دون أن يبقى منها أثر.

ولأن القارئ وموضوع تغير الذائقة، غير مبحوث في الكتاب، فإنك تشعر أن شيئاً ناقصاً فيه، ومن النواقص ـ أيضاً ـ التي تشعر بها، أن الكتاب برغم تعرضه في المقدمة التاريخية لقصيدة النثر، إلا أن المحور التطبيقي يكاد يخلو من نماذج لها.

والحقيقة أن كثيراً من الأسماء التي يستفيد من تجاربها كشواهد على التحولات ليست لها هذه الصفة، وبعضها غير مقنع ربما لأن المؤلف لم يلتزم في التعامل معها بفكرته الرئيسة التي طرحها كعنوان للكتاب، فكلامه عن الشاعر السعودي حسن عبد الله القرشي يوحي بأن كل فضل هذا الشاعر الكبير على الشعرية العربية أنه عاشق لمصر ونيلها، ويقيم إقامة شبه دائمة على ضفاف النيل، فيقول ( ولأن شعرية حسن القرشي عاشقة فى الدرجة الأولى، فإن منظورها مضمخ بهذا العطر العربي في احتوائها  للأقطار والأمصار الحضارية ) ولست ـ شخصياـً أفهم كيف يكون عشق شاعر للنيل أي كانت جنسيته تحولاً في الشعرية العربية؟ وكأن مفهوم التحول مجرد فكرة مفعمة بالمشاعر النبيلة.

وفى موضع آخر نجده، بدلاً من التركيز على الإمكانات الجمالية التي تطرحها تجربة (عالية شعيب) ينشغل بقضيتها الشهيرة التي تعرضت فيها لتهمة الإساءة إلي الدين، والحقيقة أن كل الشواهد التي ساقها تدحض التهمة عن الشاعرة بقوة، وحجته في ذلك مشفوعة ـ بالطبع ـ بتحليل دلالي وتأويل لمعاني الكلمات موضع الاتهام، ورغم ذلك، فهي لا تشرح لنا كيف أصبحت تجربة عالية شعيب فاصلة من فواصل التحولات في الشعرية العربية ؟

ولعل مثل هذه الملاحظات تعطى انطباعاً عاماً بأن الكتاب تجميع لمقالات شتى، وليس في ذلك من عيب بطبيعة الحال، ولكن عنوان الكتاب ومقدمته توحيان بأننا أمام بحث في التحولات، وهو بالتأكيد ما كنا نتوقعه من باحث كبير عودنا على مستوى رفيع جداً من البحث الأدبي .

وإذا كان لدينا ملاحظات على النماذج التطبيقية، فهذا فى نهاية الأمر خيار الباحث، ولكن ملاحظاتنا لا تنفي أن الجزء التاريخي الذي يرصد التحولات يعكس خبرة واسعة ورؤية واضحة لخارطة التحولات التي تمتد بطول الوطن العربي وعرضه، وهى خبرة مشفوعة بأسباب ومظاهر أزمة الشعر الحديث. وهو في النهاية يبدو غير متشائم بمستقبل الشعر رغم اعترافه بعمق الأزمة، لأن الشعر هو الذى يحمل الجينات الوراثية للروح العربية. وهو الذى يجدد اللغة، ويضمن لها البقاء. واللغة هي مصدر الوعي لقومي، والشعر فى النهاية هو جوهر الفنون، ولا بد أن يتوهج بازدهارها.

 


Post a Comment

أحدث أقدم