النوبي الجنابي: قراءة في " رسالات قلب حي" لهبة علي السراج


بقلم: النوبي الجنابي 


عندما تضع كتابًا تقرأ فيه أمامك، ثم تفكر كثيرًا في كل نصٍ تقرأه، بل وتعيشه وكأنه جزء فيك ينبض، حينها فقط تدرك الغرض الحقيقي من "رسالاتُ قلبٍ حي" للكاتبة (هبة علي السرّاج)؛ ألا وهو: أن تجد نفسك فيه. أو في أقل تقدير، أن تشعر بالغرابة والتفرد. وهذا قد يكون ما نادى وسعى إليه فيكتور شكلوفسكي ـ أحد أهم النقاد الشكلانيين الروس ـ وهو فكرة أن الأدب والفنون بصفة عامة، يجب أن تعطي إحساسًا بالغرابة، وتُبعد الناسَ عن المألوف، وتُحررهم مما تعودوا عليه من مدركات الأشياء؛ وبذلك تعيننا على أن نرى الأشياء من منظور جديد، أو نحتفي بها كما نحتفي بأنفسنا.

وأول ما يلفتُ أنظارنا العنوان نفسه، وإن كان جملة واحدة، فهو في نظري ينقسم إلى دلالتين مختلفتين، الأولى: رسالات، وليس رسائل ـ وإن كانت كلتاهما صحيحة ـ ولكن؛ رسالات .. توحي بالمعنى الروحي الإلهي ـ أبلغكم رسالات ربي ـ فليست مجرد رسائل بين طرفين، بل معايشة شعور معين أو حالة خاصة أو حتى لحظة فارقة في حياة أي منّا.

والدلالة الثانية: قلب حي .. والحياة هنا بمعناها الإنساني والروحي، الذي يتأثر ويشعر بكل ما يتفاعل معه ويحياه.

وبهذا يتجسد لنا المعنى الكلي للعنوان، من خلال الحياة الروحية للقلب والتي يستمدها باتصاله ومعايشته لكل قيم الحب والجمال وحتى الألم.
ومن هنا تتضح لنا القيمة الأدبية لهذه الرسالات، بعيدًا عن التجنيس والنوعية، ففكرة الأدبية نجدها في تراثنا العربي، فها هو ابن رشيق القيرواني في كتابه العمدة، قد تطرق لفنون الأدب، ومنها الرسالة وعلاقتها بالشعر.

ثم هى أوضح عند حازم القرطاجني؛ من خلال بحوثه حول الأجناس الأدبية والأغراض الشعرية، وعلاقة الأشكال الأدبية بالمعنى والأغراض، وطريقة توظيفهما لعنصري الإيجاز والإطالة، كما تطرق لقضية شرف المعنى.
وما نحن هنا بصدده هو : 
 كيف يحقق النص الأدبي الغرض؟ 
وما دور المتلقي في ذلك التحقق؟
فنقول إن دلالات العمل الأدبي وعناصره من صورة ولغة تشكل الغرض، والذي يجده القارئ حاضرًا في شعوره باستمرار، أو ما يجعل منها أثرًا أدبيا. كل هذا نلمح خيوطه الأولى في مقدمة الكتاب وإهداءه، لما يحملان من معانٍ وإشارات للحياة الحقيقية ـ حياة القلب ـ بعيدًا عن زخم الحياة وتعقيداتها " نصوصٌ ورسائل كتبها أبطالها في لحظاتهم الأخيرة، وهم غارقون في زخم واقعهم، يحملون كلماتهم على أعناق السطور...لستُ بطلًا، إنما أحد هؤلاء ممن يحملون عاديَّتهم كل يوم، على أمل أن يعود ليلًا إلى فراشه بعدد أقل من ندوب روحه!

لقد كنتُ واحدًا منهم.. قابعًا في اللحظة الأخيرة، أحمل قلمي والكلمات.

أنتظر مولدي!"؛ فالحياة الحقيقية، ليست هي ما يحياها الناس في معاشهم؛ وإنما هي اللحظات التي نعيشها مع ذواتنا وأرواحنا بما تحمل من نور وحب وصفاء.

ربما يكون بهذا تُحقق ـ الرسالات ـ غرضها الأدبي، إذ تجعلك تنكشف على روحك وذاتك، تعايشها وتعايشك؛ وحينها يأتي دور المتلقي ـ دورك أنت ـ في أن تستشف هذه الرسالات وتجعلها ساكنةً بداخلك، وكأنك ترى وتشعر بنفسك لأول مرةٍ، إذ تبلغ قيمتك الإنسانية بكل بهاءها وروعتها، مع كل رسالة تقرأها بروحك لتفتح لك نافذةً للجمال.     


 
 

Post a Comment

أحدث أقدم